التقارير

متى تلجأ للموظفين ومتى تلجأ للمستقلين؟

متى تلجأ للموظفين ومتى تلجأ للمستقلين؟

لقد شاع مفهوم العمل الحر في العالم أجمع، بل والعالم العربي أيضًا، حتى صارت الكثير من الشركات العربية تعتمد على المستقلين في الكثير من مهامها الأساسية بدلًا من توظيفهم كموظفين لديها.

إن توظيف المستقلين عمومًا أسهل وأسرع للشركات من الموظفين، ذلك أنه من الأسهل للشركات والمؤسسات إجراء عقد سريع مع مستقل لتنفيذ مهمة محددة دون الحاجة للقلق حول الأمور الجانبية مثل التأمين الصحي والضمان الاجتماعي ومكان العمل وثقافة الشركة وغير ذلك من الأمور التي كانت الشركة لتتكبّد عنائها لو أرادت توظيف موظّف.

لكن هناك إيجابيات وسلبيات لكلا الأسلوبين، ولا يصح توظيف موظفين للمهام التي يمكن توظيف مستقلين لها. والعكس أيضًا صحيح. وسنرى في هذا المقال متى يجب توظيف المستقلين ومتى يجب توظيف الموظفين لأصحاب الشركات والمؤسسات.

متى تلجأ لتوظيف الموظفين

دعنا نتحدث في البداية عن أبرز الحالات التي يجب فيها توظيف الموظفين بدلًا من المستقلين في الشركات والمؤسسات.

في المهام طويلة الأمد

إن أبرز وضعٍ يتطلب توظيف الموظفين هو المهام طويلة الأمد. ذلك أن هذه المهام قد تتطلب تواصلًا مباشرًا وفعّالًا مع الأشخاص العاملين فيها (فيديو وصوت)، وعبر وسائل وأدوات خارجية متعددة، وهي الأمور التي لا تسمح بها منصات العمل الحر غالبًا لأنه لا يمكن لها التحكّم فيها أو الوصول إليها للحكم بين المستقل وصاحب المشروع في حال حصلت مشكلة.

أضف إلى ذلك أن هذه المهام بطبيعتها تتطلب الكثير من الوقت والعمل في كل الأحوال، وبالتالي من غير المنطقي توظيف مستقل ودفع ميزانية ثابتة له شهريًا على مدى الأشهر دون ضمّه بشكل رسمي إلى المشروع أو المؤسسة.

إن المهام طويلة الأمد تتطلب أيضًا تراكم الخبرة والحفاظ عليها، وهو أمرٌ غير مناسب مع المستقلين، لأنك كصاحب مشروع لا تريد إعادة تدريب المستقلين الجدد على المهام المطلوبة كل مرة. ولا تضمن أن هذا المستقل الذي كان يعمل معك لعدة شهور لن يتوقف عن العمل فجأة فقط لأنه حصل على عميلٍ يدفع له أكثر منك، بينما يكون هذا الاحتمال أصعب في حالة الموظفين.

في المهام الدقيقة والمتخصصة

إن المهام التي تتطلب اختصاصاتٍ دقيقة وخبراتٍ عالية لتنفيذها نادرًا ما يكون هناك مستقلون لتنفيذها، ذلك أنهم غالبًا كانوا ليعملوا في شركات بدوامٍ ثابت ووظيفة مريحة بسبب حجم الخبرات التي اكتسبوها.

وبالتالي، حتى وإن وجدت مستقلين مناسبين لتنفيذ هذه المهام لك، فإنهم سيكونون مكلفين جدًا على المدى البعيد على شركتك أو مؤسستك، بل قد تكون تكلفة التعامل معهم في مثل هذه التخصصات أكبر من تكلفة توظيفهم كموظفين، لأن المستقلين يحسبون تكلفة العمل بالساعة وعلى حسب عدد العملاء الذين لديهم، على عكس الوظيفة التي تحوي عقدًا رسميًا منتظمًا مع شركة واحدة فقط.

في المهام التي لا تحتمل الفشل

لا نعني هنا أن المستقلين منخفضوا الجودة مقارنةً بالموظفين، بل نقصد أن هذا النوع من المهام سيتطلب الكثير من التعامل والتواصل والتدريب وتراكم الخبرة بهدف أدائه بأفضل شكل ممكن، وهو الأمر الذي من الصعب تنفيذه مع المستقلين.

ذلك أن المستقلين يذهبون ويأتون، وقد تؤدي بعض العوامل المتعلقة بوصف المشروع إلى توظيف مستقلين غير مؤهلين عن طريق الخطأ لأداء هذه المهام، وهو ما سينعكس سلبًا على المشروع.

بينما تكون عملية توظيف الموظفين لهذا النوع من المهام أصعب وأكثر طولًا، فمثلًا توظيف المبرمجين في الشركات يتطلب المرور بمقابلة عمل، ثم مقابلة تقنية برمجية لاختبار مقدرات هذا الشخص، وقد يكون هناك مقابلات أخرى بناءً على نوعية العمل المطلوب تنفيذها.

كل هذا غير موجود في ثقافة العمل الحر، فكصاحب مشروع أنت في نوعٍ من العجالة لتوظيف المستقلين الذين قدّموا عروضهم على مشاريعك فقط، وبالتالي عليك فلترتهم يدويًا وتجربة التعامل مع عددٍ منهم إلى أن تصل إلى المستقل المثالي، وهو ما قد لا يكون مناسبًا لميزانية شركتك.

متى تلجأ لتوظيف المستقلين

على عكس ما سبق، هناك العديد من الحالات التي يكون فيها من الأنسب للشركات أن توظف مستقلين على مواقع العمل الحر بدلًا من الاعتماد على الموظفين.

عند الرغبة بتنفيذ المهام بسرعة

لا أحد أفضل من المستقلين لتنفيذ المهام المطلوبة بأكبر سرعة ممكنة. ذلك أنه – كما ذكرنا في السابق – لا يتطلب توظيف المستقلين سوى فتح مشروعٍ لهم على منصات العمل الحر ثم البدأ بالعمل مباشرةً، بينما توظيف موظف قد يتطلب الكثير من المقابلات والإجراءات القانونية والإجراءات الداخلية في الشركة، وبالتالي يأخذ وقتًا أطول.

كما أن المستقلين ملتزمون بتنفيذ المشروع خلال مدة التنفيذ التي حددها لهم صاحب المشروع، وإن كانوا غير قادرين على ذلك فسيترددون في إضافة عروضهم على هذه المشاريع أصلًا. وهو ما يعني بالنسبة لك – كصاحب شركة أو مؤسسة – أنه يمكن تحديد المدة المطلوب تنفيذ المشروع خلالها مع ضمان تنفيذها خلال تلك المدة.

وحتى على فرض عدم نجاح المستقل في تنفيذ المشروع خلال المدة المطلوبة، فيمكن توظيف مستقل غيره لأداء نفس المهمة بسرعة، بينما في حالة الموظفين إن وظّفت موظفًا واكتشفت أنه لم يكن مناسبًا للمهمة بعد عدة أشهر من التدريب والمحاولة، فسيكون توظيف موظف آخر مكانه مكلفًا أكثر من ناحية الوقت والمال.

عند الرغبة بتنفيذ المهام غير المكررة

إن المهام التي تنفّذ لمرة واحدة فقط مثل:

  • تصميم شعار أو رسوميات رقمية.
  • كتابة مقالات في مجال من المجالات.
  • حملات تسويق إلكترونية على مواقع التواصل.
  • برمجة البرامج والتطبيقات.
  • تعريب أو ترجمة كتاب.

جميع هذه المهام وغيرها هي مهام لا تحتاج أكثر من التواصل الأوّلي من طرف صاحب المشروع بشكل أساسي، فبعد أن يفهم المستقل ما يريده صاحب المشروع لن يكون هناك حاجة للمتابعة الدقيقة أو المتواصلة، وبالتالي تنفيذها يصبح أكثر سلاسة وسهولة، فصاحب المشروع ليس بحاجة لتكرار التواصل وإرسال المزيد من المعلومات كل فترة للمستقل.

لا أحد يوظف موظفًا مثلًا في شركة فقط ليترجم كتابًا أو كتابين، ثم يتخلص من هذا الموظف بعد أن ينتهي من ذلك، ولا أحد يوظف موظفًا ليصمم شعارًا رسميًا للشركة، ثم يرمونه خارجًا بعد أن يصممه. ولهذا فإن المستقلين هم أنسب الناس لهذه الأعمال بالأساس، فينتهي التعامل بمجرد تسليم المشروع.

للمهام التي لا تحتاج تخصيص ميزانية

إن توظيف الموظفين من الناحية الإدارية يتطلب دراسة للمسمى الوظيفي في الشركة، والعائد المادي والقيمة المتوقعة من هذا الموظف، فليس منطقيًا من وجهة نظر الشركات أن توظف موظفًا يكون مجموع راتبه السنوي أكثر من القيمة التي يضيفها إلى الشركة.

يتطلب هذا تخصيص ميزانية معينة كراتب ثابت شهريًا، مع حوافز وترقيات سنوية متوقعة، فالموظف لن يبقى موظفًا عندك لفترة طويلة إن كان يحصل على نفس الراتب طوال الوقت، خصوصًا مع ارتفاع التضخم والغلاء المعيشي.

يجعل كل هذا المستقلين خيارًا أفضل للشركات، فهناك ميزانية محددة لتنفيذ مشروع واحد لا تزيد ولا تنقص، وليس هناك حاجة إلى ترقيات أو بدلات أو إجازات مدفوعة… وغير ذلك من الأمور، وبالتالي لا حاجة أن تقلق الشركة حول المبلغ المادي المستقبلي للتعامل مع هذا المستقل، بل هو تعاملٌ وحيد فقط.

خاتمة

إن انتشار ثقافة العمل والحر وازدياد عدد المستقلين ذوي الخبرة جعل الشركات في أريحية أكبر في تنفيذ مهامها المطلوبة، فهي لم تعد بحاجة إلى توظيف الموظفين بدوامٍ كامل كما كان في السنوات السابقة مهما كان حجم المهام المطلوبة، بل صار بإمكانها إجراء تعاقدٍ سريع عبر المنصات الإلكترونية للاعتماد على أي مستقل مناسب موجود في أي مكانٍ في العالم.

تعتمد الكثير من الشركات على هذا الأسلوب، فقد أظهرت الإحصائيات أن 70% من الشركات الصغيرة والمتوسطة في الولايات المتحدة قد وظّفت مستقلين مرة واحدة على الأقل، وأن نحو 48% يوظف مستقلين باستمرار.

وهو ما يعني – مجملًا – أن ثقافة العمل الحر في انتظار المزيد من الازدياد والازدهار.

زر الذهاب إلى الأعلى