التقاريرمقالات مميزة

هل فات الوقت على تعلّم البرمجة؟

هل فات الوقت على تعلّم البرمجة؟

لا أعلم عزيزي القارئ كم هو عمرك بالضبط، لكن ما دمت لم تتجاوز الخمسين فجوابي هو لا لست كبيرًا على تعلم البرمجة (وحتى لو كنت تجاوزتها فعلى الأرجح أنك لست كبيرًا على التعلم كذلك). في الوقت الحالي على ما يبدو الجميع يقوم بالبرمجة بدءًا من الأطفال الصغار الذين يتعلمونها في المدارس أو في كثير من الألعاب مثل لعبة ماين كرافت Minecraft الشهيرة، وصولًا إلى المراهقين والبالغين كذلك الذين يتوفر لديهم المحتوى الغني المناسب لكلٍ منهم إما في الألعاب الالكترونية أو الدورات التدريبية ومقاطع اليوتيوب، باختصار هناك الكثير من المحتوى لنتعلم منه.

سؤالنا الرئيسي هو : ما هو العمر الذي يعتبر الشخص فيه كبيرًا على تعلم البرمجة؟ هل هي للصغار فقط؟ أو يمكن لمن هم أكبر سنًا أو لمن يرغبون بتغيير مسار وظيفتهم أو الحصول على ترقية تعلمها ؟

لا تقلق خذ الخطوة الأولى فحسب ..

الكثير منا يسيرون بمساراتٍ وظيفية كانت منطقية بالنسبة لهم في وقتٍ ما، ومع مرور الوقت قد تتغير الظروف وتتبدل القناعات، فتتحول المحبة إلى نفور والشغف إلى ملل تام!، ويصبح غير مجدٍ ولا عملي ما كان مناسبًا لنا في فترة سابقة فندخل في فترة ركود وسكون. بغض النظر عن الحالة التي أنت عليها الآن، أنت تعلم أن تعلم البرمجة هو ما تريد الوصول إليه لكن المشكلة الظاهرة أمامك حالياً هي أن الجميع سبقوك إليها وبدأوا بتعلمها منذ الصغر، و أصبحوا يتقنون العديد من المهارات التي لم تكن تعلم بأنها ممكنة الحدوث!، تشعر بالشيخوخة وأنك غير مرتبط بهذا العالم ومتأخرٌ عن اللحاق بالركب، و بالرغم من كل هذا ترغب بأن تكون مبرمجاً لتطور من نفسك وترتقي في مهنتك. عزيزي القارئ أنت تنظر للأمور من المنظور الخاطئ!

لا ينبغي لتركيزك أن يكون منصبًا على العمر، لأنك إن كنت تكره ماتقوم به أو لم تكن تحرز تقدمًا نحو أهدافك ولاتمارس شغفك خلال سير طريقك الحالي، فلا عيب ولا حرج من تصحيح طريقك للوصول إلى المسار الصحيح، إن كان تعلم البرمجة هو المسار الذي تحتاج السير فيه فأقدم ولاتتردد أو تقلق بشأن مسألة العمر فلم يفت الأوان بعد.

بدايةً ما هو (الكود) على وجه التحديد؟

بكل بساطة هو عبارة عن مجموعة من الأفكار تم ترتيبها بشكل منطقي بطريقة معينة لإنشاء واجهة للمستخدمين ليتفاعلوا معها. عملية البرمجة بحد ذاتها تتطلب مستوى معين من المثابرة و تكريس الذات وبذل المجهود للتعلم الذاتي. هناك الكثير لنتعلمه من خلال البرمجة فهي أكثر من مجرد فهم للأوامر و طريقة الكتابة أو استخدام الخوارزميات، بل تتعدى ذلك إلى ترجمة الأفكار إلى شيء ملموس فكونك مبرمج أنت الأساس الوسيط ما بين صاحب الفكرة الأولية والمُخرج النهائي. كل ما تعمقت في تعلم البرمجة كل ما أدركت أنها أداة لتحقيق غرضك واختلاف لغات البرمجة ما هو إلا إصدارات مختلفة من تلك الأداة. لأنه في نهاية المطاف بإمكانك تحقيق نفس النتائج باستخدام لغات برمجة مختلفة، بالطبع قد تكون لغةٌ ما أكثر ملائمة في مسائل معينة من لغات أخرى، فمع الخبرة و الممارسة ستصل إلى التعرف على نقاط قوة وضعف كلٍ منها ومدى ملائمتها لاحتياجاتك.

التعلم في سن كبيرة.. المميزات والعيوب

المميزات

المشكلة التي يواجهها العديد من متعلمي البرمجة في سن متقدمة هي مقارنة أنفسهم بالأصغر سنًا والذين يبدو أنهم أكثر تقدمًا منهم في معرفة البرمجة، وقد يعتقدون أن وجود مثل هؤلاء المطورين الشباب يعد خبرًا سيئًا لمن يرغبون بتغيير حياتهم المهنية ، لكن هذا ليس صحيحًا بالضرورة.. في واقع الأمر بصفتك متعلمًا أكبر سنًا أنت تتمتع بميزة عنهم، فلديك العديد من المهارات الحياتية والخبرات العملية التي ستكون حتمًا مساعدًا لك على ترجمة أفكارك إلى أكواد. فمهما كان ما قمت به من عمل حتى هذه النقطة، فقد اكتسبت منه خبرة و مهارة سواء عن طريق تفاعلك مع العملاء أو العمل على مهارات الإدارة أو أي شيء آخر يتطلب نوعًا مختلفًا من المهارات الفنية فكل هذا لن يذهب هباءً. على سبيل المثال: ربما كنت تعمل في مطعم لتقديم البرجر في السنوات الماضية، فأنت بحكم عملك تعرف الكثير من التفاصيل الدقيقة لسير عملية البيع و إعداد الوجبات ومعالجة الطلبات والتعاملات المالية ونحوها، كل هذا الكم من المعرفة بالتأكيد يميزك عن من يفتقدها مِن مَن هم أصغر سنًا منك. الأصغر سنًا ممن لديهم خبرة برمجية قد تصل إلى أعوامٍ لا يملكون ما لديك بالتأكيد، قد يكونون مبرمجين محترفين لكنهم يفتقرون إلى المهارات التي لا يمكن اكتسابها إلا من خلال النضج والخبرة.

ربما يكون مجال تخصصك القانون أو التعليم أو العلوم أو العقارات، بالرغم من بعده عن البرمجة إلا أنه مفيد جدًا. ففي وقتنا الحالي في كل مجال يمكنك تخيله هنالك شركة ناشئة تبني منتجًا تقنيًا لهذا المجال، وبالطبع سنراهن على أنهم سيكونون حريصين على وجود من يفهم مجال عملهم بالإضافة إلى المعرفة البرمجية.

إذا كانت لديك خبرة في التعامل مع مواقف العمل المعقدة ، أو القدرة على توحيد آراء الفريق، أو التحدث أمام الجمهور، أو معرفة كيفية تحديد أولويات العمل حتى يتم إنجاز المشروع في الوقت المحدد، فإن هذه المهارات ستضعك في مرتبة متقدمة على العديد من المهندسين في صناعة التكنولوجيا.

زيادة خبرتك في الحياة تعني زيادة فرص حصولك على المشاريع المميزة والفريدة

الشيء الوحيد الذي يحتاجه أي مبرمج هو طريقة لإثبات قدرته على البرمجة. يتم ذلك غالبًا من خلال المشاريع، تُحب الشركات أن ترى أنه يمكنك التعامل مع مشكلة من العالم الحقيقي وإنشاء برنامج لحل هذه المشكلة. ميزتك هنا هي أنك واجهت مواقف حياتية كثيرة. ربما يمكنك إنشاء صفحة ويب للترويج لحدث في مجال عملك، و ربما تكون والدًا جديدًا ويمكنك إنشاء تطبيق لتسجيل أنماط نوم طفلك و عرض البيانات بطريقة تصويرية ملهمة. النقطة المهمة هي أنه يمكنك استخدام خبراتك الفريدة لإنشاء مشاريع غير عادية لن يراها أرباب عملك من أشخاص أقل منك خبرة.

مقارنة بالمهن الأخرى ذات الرواتب المرتفعة التي بإمكانك مزاولتها و تطوير مهاراتك فيها، فإن تعلم البرمجة يعتبر سريعًا، وبامكانك تعلمه بشكل كامل من المنزل، و تقوم بتغيير مهني كامل في غضون بضعة أشهر، بينما المهن الأخرى قد تتطلب تدريباً رسميًا طويلًا أو شهاداتٍ معقدة أو حتى سنوات من العودة لمقاعد الدراسة!. بالطبع لا يعني ذلك أن التحول سهل المنال (فتعلم مهارة جديدة والحصول على وظيفة منها قد يكون من أصعب مراحل حياتك)، لكن إن وجدت المتعة في رحلة تعلمك فبالتأكيد سيؤتي عملك الشاق ثماره.

العيوب

أحد الأمور التي قد تكون عائقًا في رحلة تعلمك هو وقت الفراغ، فقد يكون لديك بشكل أقل من أقرانك الأصغر عمرًا، سواء كنت أحد الوالدين أو مشغولاً بالفعل بمهنة مرهقة في مجال مختلف، ستحتاج إلى العمل بجدية أكبر لتكريس الوقت والمساحة لتعلم البرمجة. فمثلها مثل أي مهارة جديدة يتطلب تعلمها تكريس الوقت والجهد اللازم لتحرز تقدمًا.

إذا كان هدفك العمل في مجال التكنولوجيا فيجب عليك قبول فكرة أن من يرأسك أو يتداخل في عملك قد يكون أصغر منك ببضع سنوات وفي بعض الحالات أصغر بعقود!، يمكن أن تكون هذه صدمة إذا كنت آتيًا من بيئة عمل تقليدية حيث يزيد العمر عمومًا مع التسلسل الهرمي للشركات، حاول تقبل ذلك و التعود عليه. و من جانب آخر قد تواجه في بعض الأحيان وبشكلٍ غير ظاهر بعض التحيز ضد سنك، فيميل بعض متخذي القرار الأصغر سنًا إلى توظيف من هم على شاكلتهم.

كقاعدة عامة، كلما كبرت الشركة زاد تنوع نطاق الأعمار الذي ستجده فيها. في الشركات الناشئة في الغالب تكون الأعمار متقاربة فهي قد بدأت للتو على يد مجموعة أصدقاء مثلًا، هذا النوع من الشركات يتضمن الكثير من العمل غير المجدول وساعات العمل الإضافية لمحاولة هذه الشركة إطلاق نفسها بمجالها، وقد يصاحب ذلك انعدام الأمن الوظيفي( هل ستستمر هذه الشركة لأكثر من عام؟). يمكن أن يؤدي هذا النمط من العمل وحجم المخاطر إلى جعل مثل هذه الشركات في المراحل المبكرة غير جذابة لكبار السن الذين لديهم التزامات مثل العائلات والرهون العقارية.

نصائح أخيرة

إذا كنت تستمتع بالبرمجة، فلا يجب أن يكون العمر عائقًا أمام تعلمها أو العثور على وظيفة في مجال التكنولوجيا. إليك ما يمكنك فعله لزيادة فرصك في النجاح:

خصص وقتًا للتعلم: سواء كانت استراحة الغداء أو بضع ساعات كل مساء بعد ذهاب الأطفال للنوم، خصص بعض الوقت غير المنقطع في البرمجة.

تواصل مع المبرمجين الآخرين في عمرك: تعلم مع صديق، أو ابحث عن أشخاص عبر الإنترنت لمشاركة رحلتك معهم، وجود أقران يفهمون تحدياتك الفريدة سيجعل العملية أكثر إمتاعًا.

لا تقارن نفسك بالآخرين: تعلم البرمجة ليس منافسة، وإذا كنت تفكر في الأمر على أنه منافسة فسوف تشعر بالإحباط. ركز على رحلتك الفريدة ونقاط قوتك وأهدافك.

استهدف المزيد من الشركات الراسخة: عندما يحين وقت البحث عن وظيفة ، ضع في اعتبارك تركيز جهودك على الشركات الكبرى. هذا لا يعني أنه لا يجب عليك أبدًا العمل في شركة ناشئة ، ولكن عليك فقط أن تدرك أنها توفر قدرًا أقل من الاستقرار ، وقد تواجه مشكلة أكبر في الشعور وكأنك تنتمي إلى تلك البيئة.

لا يهم كم عمرك الآن. لا يوجد شيء مثل “التأخير” أو “التقدم في السن” في البرمجة. معظم من هم في المجال في حالة دائمة لتعلم شيء جديد، نحن جميعًا مبتدئون في شيء ما. عندما يكون تعلم البرمجة شرطًا أساسيًا لإحداث تغيير إيجابي في حياتك، فلا يهم في أي عمر تقرر اختياره. لا توجد جائزة كبرى لمن هو أصغر مطور برامج!.


الكاتب: نوف المنيف

المصادر : 1 ، 2

زر الذهاب إلى الأعلى