مقالات

“الاهتمام” هو زر الاشتراك الجديد لقنوات اليوتيوب

أن تكون مشتركاً في القناة أو غير مشترك؛ لم يعد أمراً مهماً

قبل أيام نَشرتُ فيديو جديد في قناتي التعليمية في اليوتيوب، ولحسن الحظ فقد شاهده أكثر من 4 آلاف شخص، قد تستغرب كيف يكون “حسن حظ” حين تعلم أن القناة فيها أكثر من 130 ألف مشترك، وقد تستغرب أكثر حين أخبرك أن قناة صديقي التي تصنع المحتوى في نفس المجال، تحصل فيديوهاتها على مئات المشاهدات فقط، وفي أحسن الأحوال يصل العدد إلى ألفي مشاهدة، رغم أن قناته بها 240 ألف مشترك؟

غريب! أليس كذلك ؟

في حقيقة الأمر، الأمر ليس بغريب وخاصة لمن يتابع مسار التغيرات التي جرت وتجري على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل عام، تلك البدعة التي ابتكرتها شبكة الفيسبوك في بداية الأمر، ثم لحقتها تيوتر والآن يوتيوب والأمر ينطبق على بقية الشبكات وخاصة حين تكبر ويزداد عدد منتسبيها وعدد الساعات التي يقضونها فيها.

الأمر متعلق بـ “فلترة المحتوى”، فرز المهم وإيصاله لمن يهتم، أو أي تسمية أخرى تُعَبّر عن المضمون، فأنت مثلاً كمستخدم في الفيسبوك، لديك قائمة كبيرة من الأصدقاء، ولديك قائمة أكبر من الصفحات المشترك بها (معجب بها) لكن هل يصل إليك كل المحتوى المنشور من قبلهم؟ بالطبع لا. يصل إليك المحتوى المهم، أو المحتوى الذي أنت به تهتم، أما من يحدد ذلك فهي خوارزميات الفيسبوك التي تتغير بين الفينة والأخرى.

الخوارزميات تغزوا العالم

تتشابه الخوارزميات وإن اختلفت المنصات، تلك الخوارزميات التي أتت لتحل مشكلة قائمة، وهي أنك -كمستخدم- تشترك في الكثير من القنوات وليس لديك إلا صفحة رئيسية واحدة ووقت محدود، فكيف لك أن تشاهد وتتابع كل المحتوى القادم من 500 أو ألف قناة، لو كنت اشتركت في عدد قليل من القنوات لما ظهرت تلك الخوارزميات.

لكن العتب ليس عليك -كمشاهد- بل على صانع المحتوى -كناشر- فهم يتنافسون لنشر المميز والمفيد، وأحياناً كثيرة؛ الغريب والشاذ، من أجل تحريك فضولك والإيقاع بك، وما أن تبدأ بالمشاهدة إلا ويدعوك صاحب القناة ويُصر عليك بأن تشترك في قناته، وتفعل زر التنبيهات، وتضغط على إعجاب، وتكتب تعليق …. تلك المطالب التي تكرر على مسامعك مراراً وتكراراً.

العنصر الأهم في التوصية

حين تدخل إلى الصفحة الرئيسية لموقع اليوتيوب، ستجد عبارة صغيرة أعلى الفيديوهات هي (Recommended) وفي الأسفل فيديوهات من مواضيع مختلفة تعتقد الخوارزميات أنها تهمك، والقليل جداً من الفيديوهات القادمة من القنوات المشترك أنت بها.

دعنا نعترف بأمر ما، نحن نشاهد ما يريده اليوتيوب وليس ما نختاره نحن، تشترك في قنوات لأنك تحتاج للمحتوى المقدم فيها، قد يكون في مجال عملك أو تخصصك، قد تكون قنوات تعليمية تستفيد منها لتطوير بعض المهارات، لكنا نستسلم ببساطة لما يقدمه لنا النظام من توصيات.

قبل أسبوع شاهدت فيديو من قناة “Brave Wilderness” المتخصصة في الحياة البرية، أُعجِبت بالفيديو، دخلت القناة وشاهدت فيديو آخر ثم ثالث، في اليوم التالي وجدت أن اليوتيوب يوصي لي بفيديو آخر من داخل القناة الغنية بالمحتوى، رغم أني لم أشترك فيها، وفعلاً استسلمت لذلك الإسم المغري والصورة الجذابة، وشاهدته.

وهكذا أصبحت فيديوهات تلك القناة تملأ الصفحة الرسمية وعمود الاقتراحات الجانبية، ليس لأني مشترك فيها، بل لأني مهتم بمحتواها، وطبعاً الخوارزميات لها طرقها الخاصة لاستكشاف ما يهم المستخدم، عبر سِجِل المشاهدة والنقرات على الأيقونات، وحتى الوقت المستغرق في كل مرة تشاهد أحد الفيديوهات.

إذاً زر الاشتراك لم يعد إلا خدعة كبيرة يلهي بها اليوتيوب أصحاب القنوات، يستخدمها كوسيلة تشجيعية ويرسل لهم الدروع تلو الدروع كي يحفزهم على الاستمرار والإنتاج، حتى يستمر المشاهد في المشاهدة، وتستمر عجلة الإعلانات في الدوران.

إن العنصر الأهم الذي من خلاله تحدد الخوارزميات أي الفيديوهات تختار لتدخل في قائمة التوصيات ويعرضها على المستخدمين، هو الاهتمام الحقيقي بالقناة وبمحتوى القناة، السجل الذي تتركه خلفك من مشاهدات وتفاعل مع كل فيديو، بغض النظر عن الاشتراك في القناة من عدمه، فلم يعد هذا ذو أهمية كبيرة.

رسالة لأصحاب القنوات

توقف عن الطلب مراراً وتكراراً بالاشتراك في القناة، فكما رأيت؛ لم يعد هذا الأمر مهماً، المهم هو أن تستمر في نشر المحتوى المميز، أن تجعل من محتوى القناة مادة خصبة تستحق الوقت الذي يُقضى فيها، أن يكون محتوىً لا يُمَل منه، فالاستمرار في المشاهدة هو دليل الاهتمام، والاهتمام هو الزر الجديد للاشتراك بدلاً من الزر الأحمر القديم.

زر الذهاب إلى الأعلى