مقالات

هل لازالت الفرصة سانحة للنجاح في يوتيوب في 2018

هل لازالت الفرصة سانحة للنجاح في يوتيوب في 2018

هنالك من يقول أن الفرصة لاتزال سانحة للإنطلاق عبر منصة اليوتيوب وإطلاق قناة ثم النجاح في إشهارها وتحويلها إلى منصة بارزة لنشر المحتوى ثم لتحقيق الدخل منها، لكن هل هذا الكلام صحيح؟ هل فعلاً الأمر سهل لإطلاق القناة رغم هذه المنافسة الشرسة والتي تشتد يوماً بعد يوم؟ دعونا نتأمل بعض النقاط ثم نحاول الإجابة على هذا السؤال الشائك.

أولاً يجب أن نذكر المصادر الرئيسية لجلب المشاهدين وكسب المشتركين في القناة، كيف يصل المشاهد إلى فيديوهاتك ثم إلى قناتك، هنالك 4 طرق رئيسية (هنالك طرق فرعية أخرى)، هي كالتالي:

الأولى: محركات البحث: وهذه هي الطريقة التقليدية والقديمة والتي يتشارك فيها كلا النوعين: المحتوى المرئي والنصي، فانت تصل لمقالة منشورة في موقع ما عبر البحث في قوقل أو بنج أو أي محرك بحث آخر، وكذلك تصل إلى الفيديوهات عبر تلك المحركات أو عبر محرك البحث الداخلي في اليوتيوب.

الثانية: الفيديوهات ذات العلاقة: وهي تلك الفيديوهات التي تظهر في الجهة الجانبية وأنت تشاهد الفيديو، تشاهد فيديو عن قارة أطلنطس المفقودة -على سبيل المثال- فتظهر لك عشرات الاقتراحات عن حكايات وأساطير مشابهة، كلٌ يطلب ودك ويريد نقرتك كي تصبح رقماً في عداد المشاهدين.

الثالثة: التوصيات الخوارزمية: وسبب اختياري لهذه التسمية هو لأن الخوارزميات داخل النظام هي من يحدد ويقرر ماهي الفيديوهات التي سيوصي بها ويظهرها لعدد واسع من المستخدمين، وحين يفوز أحد الفيديوهات بهذه المكانة والشرف العظيم، سيكون يوم السعد لصاحب القناة، لأن الفيديو قد يحقق عشرات أو مئات الآلاف مشاهدة خلال أيام قليلة، وربما يدخل قائمة الـ Trend ويصل لعدد كبير من المشاهدين (بحسب المنطقة الجغرافية).

الرابعة: الانتشار الفيروسي: وهو أن يحدث تداول واسع للفيديو خارج نطاق الشبكة، بواسطة المستخدمين أنفسهم والذين يتحولون إلى مسوقين للفيديو من تلقاء أنفسهم، عبر تويتر وواتساب وفيسبوك وغيرها من الطرق، وهذا هو النوع النادر، لكنه حين يحدث فقد يوصل صانع المحتوى إلى الشهرة بين ليلة وضحاها.

تلك كانت الطرق الرئيسية لحصول الفيديوهات على المشاهدات، نريد أيضاً أن نوضح أمر آخر، وهو أنواع النجاح في منصة اليوتيوب، فكلمة (نجاح) قد يختلف في تعريفها فئتين من الناس بحسب تعريفهم لها، لذلك دعونا نفصل في هذه النقطة:

النجاح التقليدي: وهو أن تحصل القناة على جمهور (مشتركين) بمعدل تصاعدي بطيء، كل شهر يزيد عدد جمهورها ومتابعي محتواها بمعدل ثابت أو يتزايد بشكل معقول، وكلما استمر صاحب القناة في النشر كلما زاد عدد المشتركين.

النجاح الصاروخي:وهو عندما تصل القناة إلى عدد كبير من المشتركين في وقت قليل، هنالك عدة أمثلة لعدة قنوات حققت هذا النجاح ووصلت لأكثر من مليون مشترك في عدة أشهر، مثل:

(1) قناة الممثل الأمريكي وِل سميث: نشر أول فيديو في قناته في 19 ديسمبر 2017، أما الآن فقناته تحتوي على أكثر من 3 مليون و 600 ألف مشترك ونحن لازلنا في بداية شهر أكتوبر 2018، أي أن هذا العدد الكبير من المشتركين قد حصلت عليه القناة في أقل من سنة. (المصدر)

(2) قناة المصور بيتر مكانن (Peter McKinnon) والذي انتقلت قناته من بضعة آلاف من المشتركين (في شهر يناينر من 2017) إلى أكثر من مليون مشترك في أقل من سنة (المصدر).

قد تقول أن تلك قنوات أجنبية وأن هذا لا يحدث في المحتوى العربي، لكن دعني أسوق إليك هذا النموذج العربي:

(3) قناة “ذي أميريكان إنجليش” المتخصصة في تعليم اللغة الإنجليزية لصحابها إبراهيم عادل، والتي وصلت لمليون مشترك في أقل من سنة (المصدر)

لكن السؤال هنا هو: كيف يمكن تحقيق النجاح الصاروخي؟

ومفتاح الجواب هو عند اليوتيوب وخوارزمياته، فهذا النجاح يتم في الغالب عندما تختار الخوارزميات أحد فيديوهات القناة -أو أكثر من فيديو- ثم توصله لعدد كبير من الناس من المهتمين وأحياناً من غير المهتمين، فكم من مرة دخلت أنت صفحة اليوتيوب الرئيسية أو عبر التطبيق ووجدت عدة فيديوهات موصى لك بها وليست قادمة من القنوات التي تتابعها، تلك هي القنوات المختارة سعيدة الحظ.

كيف يمكن النجاح في اليوتيوب؟

لو قصدنا النوع الأول من النجاح، فهذا يتطلب أن تنشر محتوى في مجال لا يوجد فيه الكثير، لكن النجاح هنا كما ذكرنا سابقاً هو نجاح بطيء، يتطلب صبر واستمرارية، ويتطلب لامبالاه بالعائد المالي وخاصة في البداية، طبعاً سيكون هنالك عائد مادي بأكثر من طريقة في المستقبل (ربما بعد سنة أو سنوات؛ حسب تخصص القناة ونوعية المحتوى).

قبل البدء بإطلاق قناة وصناعة المحتوى، يجب أن يسأل المرئ نفسه هذا السؤال: ماذا سأضيف من قيمة لما هو موجود، وهذا السؤال يتطلب بحث أولي ومعرفة جيدة بما هو موجود في منصة اليوتيوب من محتوى في نفس المجال، ربما هنالك قنوات قائمة في نفس التخصص، لا مشكلة في ذلك إن كانت القناة ستضيف ما ليس بموجود فيما هو موجود من قنوات، أو إن كانت ستعرض المعلومة نفسها لكن بطرق جديدة ربما أكثر تشويقاً.

النجاح في هذا النموذج يتطلب صبر وعدم استعجال في قطف الثمار، يتطلب النشر المستمر وملئ القناة بالمحتوى النافع، هذا النموذج عادة ما يكون للمجالات التخصصية التي لا يهتم بها إلا فئة قليلة من الناس، لكن لأن اليوتيوب هو شبكة عالمية، فالفئة القليلة من الناس تصبح كثيرة عندما يجتمع حولها المهتمين من بلدان وأقطار مختلفة.

سأذكر هنا مثالين اثنين، القناة الأولى هي قناة (الكهربائي ياسر جبار) من العراق، هي قناة ذات تخصص صغير، ربما المستفيد الأول منها هم الكهربائيين في الدول العربية، ورغم ذلك فالقناة تعتبر ناجحة، لديها 60 ألف مشترك، لكن مجموع المشاهدات يفوق الـ 6 ملايين مشاهدة، آخر فيديو نشره قبل أسبوع شاهده 14 ألف شخص، وهذا يعتبر نجاح في حق القناة كونها في مجال تخصصي صغير.

القناة الثانية هي قناة المهندس عبدالغني الجنيد، فيها أكثر من 170 ألف مشترك، ينشر فيها المهندس -بشكل يومي- فيديوهات قصيرة حول هندسة البناء والتشييد من مناطق العمل الفعلية، ربما هو من الأشخاص القليلين الذين لا يبذلون مجهود كبير في المونتاج والإخراج، فالمحتوى يرتكز أساساً على الخبرة والتصوير العفوي، عموماً قناته حققت أكثر من 34 مليون مشاهدة حتى الآن.

هنالك عنصر مشترك في كلا المثالين السابقين، ألا وهو الاستمرارية، بجانب القيمة التي تضيفها القناة، يمكن أن تنشر في أي مجال في نطاق خبرتك وتخصصك.

النجاح في هذا النموذج لا يرتبط بالضرروة بعدد المتابعين والمشاهدين، فمثلاً المهندس عبدالغني ألف كتاباً ونشره واستفاد من القناة ومن العلاقة بينه وبين متابعيه في تسويق الكتاب لجمهور متخصص ومهتم بنفس المجال، وهذا في حد ذاته نجاحاً باهراً، يمكن كذلك أن ينشر صاحب القناة كورس تدريبي مدفوع أو يقدم خدمات استشارية وتصبح القناة مصدراً مهماً للحصول على العملاء الجدد. (هنالك طرق أخرى لتحقيق الدخل والحصول على عائد مادي يمكن التعرف عليهاعبر هذا الفيديو)

النجاح السريع في اليوتيوب

النوع الآخر من النجاح “النجاح الصاروخي” هو حلم أي يوتيوبر، هذا أمر طبيعي، فهو عبارة عن طريق مختصر للوصول لمكسب مادي محترم، والمكسب المادي هو ما يفكر به الكثير من منشئي المحتوى، في حين أن هدف مثل “ترك أثر طيب” قد يكون أهم وخاصة لمن تفكيره يتخطى حدود الحياة الدنيا، وبشكل عام، لا أحد يقوم بعمل متقن في هذه الحياة إلا ويكافأ عليه في حياته قبل مماته.

على عكس النوع الأول من النجاح، هنا النجاح يتطلب قدر كبير من الإبداع والابتكار في صناعة المحتوى، والوسائل الرئيسية لانتشار الفيديو هما الطريقتين الثالثة (التوصيات الخوارزمية) والرابعة (الانتشار الفيروسي)، ومن غرائب الصدف، أن يكون السبب الرابع يؤدي إلى الثالث، فانتشار الفيديو خارج اليوتيوب بشكل كبير في مدة زمنية قصيرة يؤدي إلى أن تلتفت إليه الخوارزميات ثم ترشحه لأن يكون أحد الفيديوهات الموصى بها.

مثال واقعي: عندما نشر الأخ عمر الغامدي الفيديو الذي يشرح فيه قصة دخوله وخروج من شركة أرامكو السعودية قبل 3 أسابيع، كانت قناة الأخ عمر صغيرة وليس فيها عدد كبير من المتابعين قبل نشر الفيديو، لكن الفيديو انتشر كالنار في الهشيم عبر واتساب وتويتر وغيرها من وسائل التواصل، وحين وصل لرقم كبير من المشاهدات، بدأت خوارزميات اليوتيوب في توصيته وعرضه على جمهور آخر داخل الشبكة نفسها (يمكن قراءة هذه السلسلة من التغريدات للتعرف أكثر على أسباب انتشار المقطع).

إن النجاح من هذا النوع هو نجاح صعب، يحصل مع بعض المحتوى الاسثنائي، فمثلاً فيديو الأخ عمر في المثال السابق كان اختصار لـ 3 سنوات من الإنجازات والأحداث الشيقة، لم يأتي الفيديو من فراغ أو من دون مجهود، لم يطلقه شخص عادي عاش حياة وظيفية مملة، وكذلك مع بقية الفيديوهات التي ابتسم لها الحظ وانتشرت بشكل فيروسي، هنالك سبب وجيه يقف خلف كل واحدٍ منها.

هل النجاح صعب في اليوتيوب؟

لا شك أن المنافسة أصبحت شديدة في عالم اليوتيوب، لكن في المقابل الشبكة لاتزال في توسع، من جهة عدد المستخدمين وكذلك من جهة الوقت الذي يقضيه كل فرد داخل الشبكة، وهذا التوسع يعطي فرصة لصنّاع المحتوى المبتدئين ويعدهم بأن لازال بالإمكان حجز مقعد داخل القطار والوصل إلى محطة النجاح، فلازال هنالك الكثير من العقول المتعطشة للمعرفة والفائدة.

لكن في المقابل؛ المحتوى الذي يُنشر حالياً في الشبكة يزاداد إبداعاً وإغراءً، في السابق؛ كان الواحد منا يتصفح قائمة الفيديوهات ذات العلاقة أو الموصى بها وبالكاد يجد فيديو واحد أو اثنين يشد انتباهه ويغري أصابعه للنقر والمشاهدة، أما الآن فالعاكس هو الصحيح، قلّ أن تجد فيديو لا يغريك بالنقر عليه، المواضيع شيقة والصور مغرية، والفضول يدفعك ويضغط عليك بأن تشاهد المزيد والمزيد.

أصبح الواحد منا اليوم وهو يحاول المحافظة على وقته الثمين، يهرب من الصفحة الرئيسية لليوتيوب لأنه يعلم أن هنالك ما سيجر قدميه للمشاهدة، يحاول أن يغلق سريعاً بعد انتهاء الفيديو لأن القائمة الجانبية مليئة بما لذ وطاب من محتوى معرفي أو ترفيهي أو بما يناسب شخصيته واهتماماته، نعم؛ فالنظام -الذي يزداد ذكاءً في اليوتيوب- يعرف ما يعجبك وما يلفت انتباهك.

ولهذه الأسباب أصبحنا نترك الجيد لأن هنالك ما هو أجود منه، ونتخلى عن المميز لأن هنالك ما هو أميز منه، هذا من جهة المشاهد، أما من جهة صانع المحتوى فالأمر يؤثر فيه وفي قناته، لأنه يجب أن ينافس ويصنع محتوى أكثر تمزياً، ومع مرور الوقت ودخول لاعبين جُدد إلى الساحة، تصبح المنافسة أشد والمهمة أصعب.

الخلاصة …

إن النجاح في اليوتيوب صعب وسهل في نفس الوقت، صعب لمن ينوي نشر محتوى عادي يوجد مثيله داخل المنصة، صعب لمن لا ينوي أن يكرس جزء من وقته ويصبر ويستمر في النشر والإبداع، صعب لمن هو مستعجل يريد قطف الثمار بعد أشهر قليلة من انطلاقته …

لكنه سهل لمن لديه أقوالٌ أخرى، لأصحاب الأفكار الجديدة ومن لديهم قدرة على الإبداع والابتكار -علماً أن حدود الإبداع الإنساني ليس له حدود- سهل لمن ليس وقودهم المال، بل الشغف والمتعة، لمن يريدون ترك بصمة حسنة وأثر طيب يستفيد منه القادمين، سواءٌ الآن أو بعد سنوات، سهل لأولئك الذين لا يبحثون عن النجاح ويتعقبونه من دار إلى دار، لا يطرقون على الأبواب لعله يجيب من هنا أو هناك، فؤلئك هم من سيطرق الناجح بابهم يوماً ما، وبدون سابق إنذار.

زر الذهاب إلى الأعلى