مقالات

هل لازلنا بحاجة إلى القوائم البريدية في عصر الشبكات الاجتماعية؟

سابقاً كانت القوائم البريدية الوسيلة الأهم لعقد اتصال دائم مع الموقع أو صاحب الموقع، هي وسيلة فعالة للتسويق الرقمي، طبعاً التسويق هنا بمعناه الشامل، فتسويق المحتوى وتسويق الأفكار وحتى الذات، كلها أشكال مختلفة للتسويق، ولا يتم التسويق إلا بوجود قناة تسويقية، والبريد الإلكتروني أحد أهم وأبرز تلك القنوات.

لكن قد يسأل سائل ويقول: هل لازالت القوائم البريدية فعالة اليوم، بعد أن أصبحت أيقونة (الاشتراك) في اليوتيوب أشهر من نار على علم، وأيقونة (الإعجاب) في الفيسبوك من بديهيات الانترنت، وغيرها من الوسائل الكثيرة التي يمكن أن يتواصل بها أصحاب المواقع والصفحات الرقمية مع الجمهور المتابع لهم والمهتم بإنتاجهم.

يوتيوب وفيسبوك ليسا إلا مثالين بارزين، هنالك الكثير من الوسائل المجانية اليوم التي لا تكلف الناشر الرقمي سنتاً واحداً، في حين أن الاشتراك في خدمات القوائم البريدية تلك يكلف عشرات الدولارت شهرياً، وكلما زاد عدد المشتركين وكبرت القائمة البريدية زاد المبلغ حتى أصبح مرهقاً وعبئاً إضافياً لا يستهان به.

فمثلاً يكلف الاشتراك في موقع (GetResponse) الذي يعد أبرز خدمات إدارة القوائم البريدية 65 دولاراً شهرياً لعدد 10 ألف عنوان بريد إلكتروني أو مشترك في القائمة، بينما يمكن إنشاء قناة يوتيوب والعمل على إشهارها وكسب المشتركين لها حتى تصل 10 ألف أو حتى 100 ألف وأكثر، ولن يلزمك اليوتيوب بدفع أي سنت، بل سيعطيك بعض الأموال إن قررت فتح الاعلانات في فيديوهات قناتك ومشاركة الأرباح معه.

وسائل كثيرة لكسب المشتركين

القنوات ليست موجودة في اليوتيوب فقط، إنما هنالك قنوات كذلك في تطبيق (تليجرام) على سبيل المثال، حيث يمكن أن تنشر فيها فيديوهاتك وكذلك المواد الصوتية والصور والنصوص على حد سواء، يمكن أن تدعو الآخرين للاشتراك في القناة ومن ثم تتمكن من الوصول إليهم، والأفضل من ذلك أن رسائلك ستصلهم على شكل تنبيهات مالم يقوموا بإسكات القناة إن كانت مزعجة.

القصد أن هنالك وسائل كثيرة لإنشاء علاقة بالجمهور، فالشبكات الاجتماعية اليوم قائمة على هذا المفهوم، أن يكون لديك صفحة (أو لمنتجك أو شركتك) ثم تسمح للآخرين بالاشتراك في تلك الصفحة ومن ثم إيصال صوتك والمحتوى الذي تنشره تباعاً إلى أولئك المشتركين، تويتر – فيسبوك – تليجرام – سناب شات – يوتيوب – انستقرام، وغيرها.

بدلاً من أن ترسل رسالة بريد إلكتروني إلى المشتركين في القائمة، أرسل لهم منشوراً في قناتك في التليجرام، أو صفحتك في الفيسبوك أو اصنع فيديو جميل يوضح الفكرة بطريقة بصرية ممتعة ثم انشره في قناتك.

فبالإضافة إلى كون هذه الطريقة مجانية، هنالك ميزة أخرى هي قابيلة الانتشار التلقائي، فالكثير قد يعرف عن قناتك في اليوتيوب ثم يشترك فيها بدون تدخل منك، وهذا ما ليس متوفر في القوائم البريدية، فلن يصل إليها ويشترك فيها إلا زوار موقعك، أو عليك أن تبذل بعض المجهود وتدفع بعض المال كي تحصل على بعض المشتركين.

المقابل لهذه الخدمة المجانية هي أن الشبكة نفسها تستفيد من جمهورك في عرض الاعلانات عليهم وكسب بعض الدولارات منهم، هنالك من يسمح لك بتقاسم الأرباح (مثل اليوتيوب) لكن البقية يستأثرون بالمكسب لوحدهم، والمقابل هو توفير خدمة تسمح لك بربط الجمهور بإسمك شركتك أو منتجك أو حتى اسمك الشخصي.

إزدهار القوائم من جديد

لعل صناع المحتوى ورواد الانترنت قد هجروا القائمة البريدية لبرهة من الزمن، حين وجدوا بغيتهم في الشبكات الاجتماعية، لكن سرعان ما اكتشفوا الحقيقة المرة، حقيقة أنك غير قادر على الوصول إلى جميع المشتركين في قناتك أو صفحتك، فكم من قناة لديها عشرات الآلاف من المشتركين وحين يتم نشر فيديو جديد لا يصل إلا لألف أو ألفين شخص منهم، وكم من صفحة فيسبوك فيها ملايين المعجبين وحين تنشر لا يصل إلا لـ 1% من المستخدمين.

السبب هو في خوارزميات الفلترة في تلك الشبكات، أما في القوائم البريدية فليس هنالك أية خوارزميات، إن كنت تمتلك بريده الإلكتروني فأنت قادر على الوصول إليه، مالم يقرر ألغاء الاشتراك أو حجبك للأبد.

لذلك وبعد أن أصيب مجتمع صناع المحتوى ورواد الأعمال الرقمية بخيبات الأمل المتكررة، عادوا إلى حضن القوائم البريدية الدافئ، عادوا لجمع الإيميلات من داخل الصفحات ثم الإرسال بين الفينة والأخرى، فهو الحل الأضمن في ظل خوارزميات الشبكات الاجتماعية المتقبلة، رغم أنه حل قد يكلف بعض المال، لكن التنافس أوجد شركات أخرى تقدم خدمة استضافة القوائم البريدية بأسعار أرخص (مثل شركة Sendinblue) التي تقدم خطط بحسب عدد الرسائل المرسلة وليس عدد المشتركين.

وكي نختصر الأمر ونجيب على السؤال، نعم لازالنا بحاجة لتلك القوائم البريدية، سواءً كنا مستقبلين أو مرسلين، لكن يجب أن نغير فكرتنا عن تلك القوائم، وأن نتخذها وسيلة للاتصال الفعال وتقديم المحتوى الفريد، لا أن تكون وسيلة ترويجية مزعجة، لازالت وسيلة فعالة حينما نعي أنها وسيلة لإنشاء علاقات إنسانية ذات قيمة عالية وليست مجرد علاقة بين منتج ومستهلك، وحينها سيكون لتلك القوائم أثر كبير، ليس فقط في تحسين المبيعات، لكن أيضاً في تطوير وإثراء الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى