مقالات

السيليكون فالي وأسرار النجاح

مهبط وحي التقنية وقبلة رواد الأعمال ومهوى أفئدة المستثمرين، خليجٌ صغير جنوب مدينة سان فرانسيسكو الواقعة في الجزء الشمالي من ولاية كاليفورنيا الامريكية يعرف بوادي السيليكون Silicon Valley. منه خرجت أكثر التقنيات إبتكاراً وفيه ضُخت رؤوس الأموال الضخمة حتى أصبحت قيمة شركات هذا الخليج الصغير تقدر بترليونات الدولارات مستحوذةً على ثلث إستثمارات الولايات المتحدة الامريكية.

في الوهلة الأولى حينما يذكر وادي السيليكون يتبادر إلى أذهاننا شركات لامعة كأبل، وفيسبوك، وأوبر، وأي بي، ولنكدان وغيرها مِن من تشاركنا حياتنا اليومية بإبتكاراتهم العظيمة. هذه الشركات بلاشك حققت نجاحات مذهلة وصنعت لها إسماً في عالم التقنية، ولكن الحقيقة التي قد يجهلها كثير من الناس هي أن السيليكون فالي لا يقتصر على تلك الشركات فقط بل أن هناك آلاف الشركات الأخرى قد لاتقل نجاحاً عنها و لها أسرار وقصص نجاح مذهلة ومثيرة للإهتمام. والحقيقة الأخرى هي أنه بقدر ما أن هناك نجاحات، هناك ايضاً إخفاقات وفشل وإفلاس لكثير من الشركات وهذا -بوجهة نظري- يدل على الحيوية والدينميكية الكبيرة جداً التي تتمتع بها تلك البقعة من الأرض.

أثناء تواجدنا هناك، زرنا بعض تلك الشركات وإلتقينا مع بعض منسوبيها وتحدثنا معهم، واثناء ذلك، كنت وبصمت أبحث عن إجابة لسؤال واحد: ماهو السر نجاح الشركات هناك؟ كنت أعلم بأن كل شركة تختلف بإختلاف منتجاتها وخدماتها التي تقدمها للأسواق وهذا يعني أن أسرار النجاح قد تختلف، لكن كنت متأكداً من أن هناك شيءٌ مشترك بينهم قادهم إلى تحقيق تلك النجاحات الباهرة.

من فيسبوك وأوبر إلى قوقل ولنكدان مروراً بحاضنات ومسرعات أعمال مثل 500 Statups و BootUp، لفت إنتباهي ثلاثة أشياء وهي ما أعتقد انها أسراراً لنجاحهم ورأيت موظفي تلك الشركات يشيرون إليها أثناء حديثهم بقصد وبدون قصد.

أولا تلك الأسرار هي ثقافة الشركة حيث أثار إهتمامي مدى تمسكهم القوي بها وبتفاصيلها وهذا رأيناه جلياً منعكساً على سلوكياتهم فيما بينهم رئيساً كان أم مرؤوساً وفي تعاملاتهم مع عملائهم.

ثانياً، رأيت في موظفيهم إيماناً عميقاً بقيم الشركة والتي فعلاً تشكلً العامل الأهم أثناء إتخاذهم لقراراتهم سواءاً الإدارية و التنظيمية أو حتى التجارية التي تحدد مستقبل الشركة ككل ونجاحها من عدمه.

ثالثاً، صحيح أن ثقافة الشركة وقيمها أمران مهمان ولكنني إستشّفيت سر النجاح الأكبر بعد ما إلتقينا وتحدثنا مع مهندسي تلك الشركات وموظفي الإدارات الصغرى ألا وهو الإستيعاب التام والكامل بماهية الشركة وتوجهاتها التجارية وماذا تريد أن تكون في المستقبل. هذا -بوجهة نظري- أمرٌ عظيمٌ جداً حينما ترى موظفاً صغيراً في شركة ضخمة تحوي عشرات الآلاف من الموظفين يخبرك بوضوح تام ودقيق عن ماذا تريد أن تكون الشركة بعد عشر سنوات من الآن. فوفقاً لتلك التوجهات، يعمل العاملون ويبتكر المبتكرون في تلك الشركات وهذا بالتأكيد يوحد توجهاتهم بشكل إيجابي جداً ويجعل لهم قدم سبق في المنافسة.

خلق شركات عظيمة يتطلب -بالتأكيد- عقول عظيمة وطموحات عالية ومراكز بحث وتطوير وصرف أموال طائلة لخلق الإبتكارات ولكن هذا يعتبر فقط جزءاً واحداً من قصة النجاح. إذا لم تكن الشركة تهتم بالموظف -الذي هو حجر أساس النجاح- وتستثمر فيه لتعليمه ثقافة الشركة وتشريبة قيمها ومشاركته توجهاتها، فأعتقد أنها ستخسر الكثير والكثير وهذا فعلياً هو أهم ما تعلمته من زيارتي للسيلكون فالي.


الكاتب:عبدالله السعديمتخصص بالتقنية واستثماراتها وريادة الأعمال مهتم بالتجارة الذكية والتسويق والإقتصاد الجديد. يخصص بعض الوقت للتطوع لخدمة المجتمع والاعلام .
@saadineur

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى