مقالات

مجموعات فيسبوك: المنتج الرقمي الذي لم يأخذ حقه من التقدير

يقال أن “مجموعات فيسبوك” من المنتجات الرقمية التي لم تأخذ حقها من التقدير، فهي البديل الأفضل للمنتديات التي خف بريقها في السنوات الأخيرة، تلك المنتديات التي كانت يوماً ما أفضل هدية حصلنا عليها من الإنترنت، وعبرها تمكنا من التعبير عن آرائنا ومشاركة خبراتنا وتجاربنا مع العالم، أما الآن فبالإمكان أن نخرج ما يجول بخواطرنا عبر وسائل عديدة وبسيطة (مثل المدونات والشبكات الاجتماعية) لكن مجموعات الحوار بشكل عام ومجموعات الفيسبوك على وجه الخصوص تزيد على كل تلك الأدوات بخاصية مهمة، ألا وهي التعاون (Collaboration).

تعاون البشر مع بعضهم البعض هو ما أوصلنا إلى هذه النقطة في مسار التاريخ، هو ما ساهم في بناء الحضارة وإقامة العمران، هو أحد الخصائص التي جعلتنا مخلوقات مميزة، فالإنسان هو في الأخير مخلوق ضعيف، يشعر بالعجز الشديد أمام هذا العالم والكون العظيم، لكن ميزة التعاون سمحت له بأن ينشئ المدن الكبيرة، ففيها يتعاون الجميع من أجل إقامة الحياة، وعبر التعاون استطاع الإنسان أن يصعد إلى القمر وأن يحلم بالذهاب إلى المريخ، فكل مشروع عظيم هو نتيجة تكاتف عشرات أو مئات الجهود والعقول، كل شخص يدلي بدلوه في مجال تخصصه.

صحيح أن التجمعات الرقمية لا تستطيع أن تقيم عمارة مثلاً، أو تبني جسراً، لكنها توفر الأرضية الملائمة لنشوء نوع آخر من التعاون، ليس تعاون الجهود المادية، بل هي الجهود الفكرية والمعرفية، وهي الأهم بالتأكيد، فعبر تلك المجموعات يمكن مشاركة الأفكار التي يمكن أن تساهم في نهضة الأمم، او مشاركة العلم النافع الذي يستفيد منه المهندس والطبيب والعامل، وحينها سيكون التعاون العملي والتطبيقي أكثر فعالية وجدوى، لأنه انطلق من أساس معرفي متين.

مجموعات تؤثر في حيوات الناس

يقول “أليكس ديف” مدير مشروع مجموعات الفيسبوك: “كل يوم حين آتي إلى العمل، أحاول أن أجد مجموعة جديدة هادفة، وكل يوم أجد شيء مميز” بحسب ما ذكره موقع (Business Insider)، فهنالك ما لا تتخليه من المجموعات النشطة والمنتشرة في طيف واسع من المجالات، كما أن هنالك مجموعات خاملة كذلك، فسهولة ومجانية إنشاء المجموعات في الفيسبوك سمح بأن تتكاثر بشكل لا يمكن لأحد إحصاؤه، لكن وسط ذلك الركام الكبير هنالك مجموعات تميزت وأثرت في حيوات الناس بشكل كبير.

هنالك مجموعة نسائية متخصصة في الحمية والغذاء تضم أكثر من نصف مليون مشتركة، يتم فيها تنظيم المشتركات الجدد في مجموعات، فكل أسبوع هنالك دفعة جديدة وكل دفعة لديها برنامج غذائي يجب أن يلتزمن به، المجموعة كانت مبادرة فردية من امرأة أحبت أن شارك تجربتها وتفيد غيرها فيما يخص إنقاص الوزن، أما الآن فقد أصبحت المجموعة من أنشط المجموعات العربية وأكثرها تفاعلاً، فكل منشور يحضى بآلاف التعليقات، وهنالك مشرفات يتابعن الأسئلة ويجبن على الإستفسارات، ورغم أن كل الجهود فيها هي جهود فردية تطوعية، إلا أن المجموعة كانت سبب في تغيير حياة الكثير من النساء في مختلف أنحاء العالم العربي.

مجموعة أخرى لكن للرجال فقط، نالت شهرة واسعة وحصلت على أكثر من مليون مشترك في أشهر قليلة، أصبحت منصة للتعاون وتبادل الخبرات بين المصريين سواء في الداخل أو الخارج، وقد ذاع صيتها وانتشر خبرها حتى أصبحت اضطر مؤسسوها أن يحولوها إلى مجموعة سرية لا يمكن إيجادها عبر البحث المباشر.

لم تكن تلك إلا أمثلة بسيطة لما يمكن إنجازه عبر تلك الأداة الصغيرة داخل تلك الشبكة الاجتماعية الضخمة، لأنها كما ذكرنا أداة للتكتل والتعاون، وقوتها في قوة الإنترنت نفسه، فعبر الإنترنت أنت تعبر الفيافي والبحار وتلتقي بشخص يشاركك نفس الاهتمام ويتعاون معك لإتمام نفس المهمة، كما أن قوة مجموعات الفيسبوك مستمدة من الفيسبوك نفسه، فهو الحاضنة التي تجمع كل المستخدمين تحت مضلتها، فلا حاجة للتسجيل أو لإنشاء حساب جديد في كل مرة تقدم فيها للإنضمام إلى مجموعة جديدة، ما عليك إلا النقر على أيقونة الإنضمام ثم الإنتظار حتى تتم الموافقة.

ورغم قوة هذه الأداة، إلا أن الفيسبوك لم توليها الاهتمام الكافي حتى وقت قريب، فقد حرصت على تطوير الخصائص والمميزات في (الصفحات) في حين أن قطار التطوير نسي أن يحمل معه (المجموعات)، ويبدو أن إدراة الشبكة قد إستدركت هذا الخطأ، فما كانت لتهمل أحد أولادها الأوفياء وتتركه خلفها بدون تحسين أو تطوير، لذلك فقد أعلنت مؤخراً عن تحسينات وخصائص جديدة تساهم في إدارة المجموعات بشكل أفضل.

أخيراً …

ما نحن بحاجة إليه فعلاً هو حسن استغلال هذه الأداة، لا نريد أن نرى كم كبير من المجموعات المتناثرة هنا وهناك من التي غزتها العنكاب وامتلأت حيطانها بالتراب، فلا يقاس نجاح المجموعات بعدد الأعضاء، بل بحجم التفاعل، فرب مجموعة فيها بضعة مئات أفضل من أخرى فيها عشرات الآلاف، نريد أن يأخذ مدراء المجموعات الأمر على محمل الجد، أن يقيموا مجموعاتهم ويولوها الاهتمام اللائق حتى تساهم في تغيير الواقع وإحداث فرق في حياة الناس، ولو بالشيء اليسير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى