مقالات

خطط الثراء الرقمية (8): النشر المرئي عبر اليوتيوب

لا يخفى على الكثيرين أنه قد أصبح بالإمكان تحقيق دخل مالي عبر النشر في اليوتيوب، أصبحت مسألة كسب المال عبر الانترنت أسهل إذا تمكن الشخص من إنتاج المحتوى المرئي الجيد الذي يحمل الفائدة ولديه قابلية ذاتية للانتشار، ولا نعني بالسهولة هنا أنه يمكن لأي شخص رفع مقاطع فيديو عادية (جداً) ثم يتوقع أن تبدأ الإيرادات بالتدفق من الشهر التالي، قد لا ينجح الأمر بمجرد تصوير الشخص نفسه وهو يتحدث عن بعض القضايا والأمور، إلا لو كان ممن يمتلك موهبة معينة، فأصحاب المواهب قد يبتسم لهم الحظ فجأة عبر مقطع فيديو أو لقطة غير متوقعة.

سنكمل في هذه المقالة -إن شاء الله- سلسلة (خطط الثراء الرقمية)، فبعد أن تحدثنا عن الطرق التي تركز على بناء الجمهور عبر المحتوى النصي الذي تنشره في مدونتك –في مقالة سابقة– نأتي اليوم لنتحدث عن طريقة اخرى لبناء الجمهور، دون الحاجة لبناء مدونة أو موقع رقمي، في الحقيقة، بناء الجمهور عبر قناة اليوتيوب له لون آخر، فالشخص (صاحب القناة) يطل على متابعيه بصورته أو حتى بصوته فقط، وهذا ما يعطي تواصلاً أكثر عمقاً وإنسانية بين الجمهور من جهة وصاحب القناة من جهة أخرى.

منصة واحدة وأهداف متعددة

الطريقة الأسهل لكسب المال عبر اليوتيوب، هي عبر الانضمام إلى برنامج الشراكة، حيث تظهر بعد ذلك الاعلانات بشكل تلقائي في صفحات فيديوهاتك وتتقاسم ارباحها مع اليوتيوب، لكن بعد أن تنشر بعض الفيديوهات وتحصل على 10 ألف مشاهدة (وبشرط أن تكون فيديوهات جيدة)، لكن الطريقة الأسهل ليست بالضرورة “أسرع”، فالنتائج في اليوتيوب في الغالب بطيئة، الأمر يعتمد أكثر على نوعية محتوى القناة وجودته.

الطريقة الأخرى للاستفادة من القناة هي في تسويق المنتجات التي تهم جمهور القناة، فلو كانت القناة متخصصة في تعليم الرسم على سبيل المثال، حينها يمكن تسويق بعض منتجات الرسم الاحترافية المقدمة من شركات تفتح برنامج التسويق بالعمولة (Affailiat Marketing)، وحينها ستحصل على نسبة عن كل عملية شراء تتم عبر قناتك وفيديوهاتك (عبر الرابط الخاص الذي تضعه في وصف الفيديو على سبيل المثال).

يمكن أيضاً التسويق لمنتجك أو خدماتك أنت عبر قناتك، فعلى سبيل المثال هنالك عدة قنوات عربية متخصصة في تعليم السباحة، ينشر اصحابها فيديوهات تعليمية مفيدة، وفي ذات الوقت يعرضون خدماتهم لتعليم السباحة لمن أراد على شكل دروس خاصة على أرض الواقع، ايضاً يمكن للشخص إطلاق دورة تعليمية أو نشر كتاب في نفس المجال ثم تسويقه لجمهوره وفي قناته.

القناة ستحصد المشتركين مع الأيام، مئات ثم آلاف، ويستمر عداد المشتركين في الصعود مع استمرارك في تقديم محتوى جيد ومميز، وبعد أن يكون هنالك عدد كبير من المشتركين في القناة، حينها سيكون لديك جمهور ضخم، فإن أطلقت منتج أو خدمة (مرتبطة بنفس تخصص القناة) فلديك قناة تسويقية جاهزة كي تنشر تلك الخدمة وتعلن عنها.

وأخيراً هنالك هدف أعظم من المكسب المادي، أن تترك إرث صالح، بصمة حسنة لا تنمحي بسهولة، فتلك الفيديوهات بما فيها من فائدة ونفع ستبقى هناك تعرض نفسها لكل من يطلبها، بل أنها قد تنتشر مع الأيام بشكل غير متوقع فيستفيد منها ملايين الاشخاص في المستقبل، فخوارزميات اليوتيوب تتغير باستمرار لتحسين ظهور المحتوى المتميز وإيصاله إلى عدد أكبر من مستخدمي الانترنت داخل المنصة.

أولاً: اختيار التخصص

يجب أن يكون هنالك تصور مبدأي قبل البدء في إطلاق القناة ونشر أول الفيديوهات، وأهم عناصر هذا التصور هو تخصص القناة وطريقة إنتاج الفيديوهات:

أما تخصص القناة فهو الأمر المهم الذي يجب أن يتوقف عنده الشخص ملياً حتى يبدأ بداية صحيحة، وللنجاح في مجال النشر الرقمي -بشكل عام- ولتحقيق الانتشار الجيد للمحتوى الرقمي سواءً كان نصياً عبر المواقع والمدونات أو مرئياً عبر اليوتيوب، يجب أن يراعي صاحب القناة أو الموقع هذه النقاط في مجال القناة وتخصصها:

  • الشغف والاهتمام بالمجال
  • تخصص له جمهور وباحثين
  • أن لا يكون مجالاً مشبعاً قدر الإمكان

أما العنصر الأول فهو الأمر الأهم، فكيف لصاحب القناة أن يتحدث عن شيء ليس لديه فيه خبرة، أو ينتج فيديوهات في مجال لا يحبه وليس له فيه رغبة؟ يجب أن يكون مجال القناة قريب من اهتمامات الشخص أو تخصصه، أن يعلّم الناس مما يعلم مثلاً، أن يفيدهم من تجاربه وخبرته، أو يتحدث معهم في مجال يهواه ويميل إليه، وعندها سيكون النشر وإنتاج الفيديوهات أمر ممتع يزيد الشخص شغفاً بمجاله الذي يحبه.

هنالك دائرتين تتقاطعان، الأولى هو مجال اهتمامك، الثانية هي مجال اهتمام الناس، والتقاطع الحاصل بينهم هو فرصتك للنجاح في العالم الرقمي، بمعنى: أنه إن كان تخصصك ومجال اهتمامك وهوايتك هو مما يطلبه الناس ويبحثون عنه عبر محركات البحث، فهو أمر طيب، بالطبع سيكون هنالك الكثير من الأشخاص المهتمين بنفس المجال، لكن مثلاً هواية جمع الفراشات مثلاً، هو تخصص صغيرة وبسيط ولن تجد له جمهور عريض، أما هواية تربية القطط فهو مجال واسع وهنالك الكثير ممن يهتم به، لذلك فاختيار التخصص الذي يحتل شعبية جيدة هي نقطة لا يجب إغفالها عند اختيار تخصص القناة.

المحدد الثالث الذي يؤثر على اختيار تخصص القناة، هو كمية المحتوى المنشور في نفس الموضوع، وهل ستقدم شيء جديد أو مختلف عما هو منشور؟ أم أنك ستنشر المنشور وتكرر المكرر، كلما كان المجال مشبعاً بالمحتوى الذي نشر فيه، كلما كانت فرصتك في النجاح فيه ضئيلة، إلا إن كنت تنوي تقديم أفضل مما هو موجود،

حتى وإن اخترت مجالاً له جمهور عريض، يفترض بك أن تنظر إلى حجم ونوع المحتوى المنشور في نفس المجال، وهل ستقدم الشيء الجديد أم ستكرر نفس الموجود ؟ النجاح في العالم الرقمي يعتمد على مبادئ منها (التميز)، أن تتميز عن بقية المنافسين، أو أن تتحدث في مجال -وإن كان دقيقاً- أنت أول من يتحدث فيه.

ثانياً: النشر والانتشار

في البداية يجب تحديد طريقة إنتاج وإخراج الفيديوهات، هل ستظهر بشخصك في الصورة وتتحدث بشكل مباشر؟ أم ستقوم بإعداد وتسجيل التغطية الصوتية ثم تحرر الفيديو عبر برامج التصميم والمونتاج ؟ أم أن الفيديوهات ستكون عبارة عن تسجيل لما في شاشة الحاسوب (إن كانت القناة تعليمية مثلاً)، هنالك خيارات عديدة، حتى أنه بإمكانك استخدام تطبيق سناب شات لتسجيل الفيديوهات.

في الفترة الأولى من حياة القناة، يجب أن ينصب المجهود في إخراج فيديوهات عالية الجودة دون الاهتمام للعائد المادي ولا المعنوي، ونعني بالـ(معنوي) عدد المشاهدات والتفاعل مع الفيديوهات، فبالطبع سيكون التفاعل ضعيف جداً في بداية حياة القناة حين تكون مغمورة لا يعلم بها إلا القليل جداً، السر هنا هو في عدم اليأس في بداية الطريق لقلة المشاهدات، فالنتائج تتأخر في عالم اليوتيوب، ستستمر في الإخراج والنشر بشكل أسبوعي حتى تأتي لحظة السعد ويقرر نظام التوصيات في اليوتيوب اختيار أحد فيديوهاتك المميزة لعرضها على جمهور عريض مهتم بما تقدمه.

سيتطلب منك الأمر بذل بعض المجهود لتعريف الناس بقناتك الوليدة عبر تسويق بعض الفيديوهات في المنتديات المتخصصة أو عبر التفاعل مع فيديوهات الآخرين التي تغطي نفس المواضيع، عموماً يمكن الرجوع إلى مقالتنا السابقة التي كانت بعنوان:

خطط الثراء الرقمية بشكل عام ومسار النشر عبر اليوتيوب بشكل خاص يتطلب نَفَس طويل، يجب على من سيبدأ فيه أن يخصص له وقت إضافي وأن يمارس الأمر بدافع الهواية والشغف في المقام الأول وليس بدافع المال، لكن المنفعة المادية ستأتي فيما بعد بقدر التميز والإبداع الملموس في القناة وفي الفيديوهات المنشورة فيه، والأهم من ذلك انك ستبدأ عجلة إبداع تدفعك لمزيد من التعلم والاستفادة ومن ثم ترك أثر صالح يستفيد منه الكثير ممن يأتي من بعدك.

ثالثاً: قطف الثمار

النشر المرئي في اليوتيوب هو تجربة غنية تثري حياة الإنسان وتفتح له أبواب كثيرة لم تكن في الحسبان، أولها أنه سيتعلم أكثر ويستزيد من المعرفة في المجال الذي يحبه ويميل إليه، فعندما تنشر وتفيد الآخرين بما لديك في مجالك أو تخصصك، سيدفعك هذا إلى التعلم أكثر كي تنشر أكثر وتفيد الآخرين بشكل أفضل، والأهم من ذلك أنك ستخلق مجتمع حول قناتك يتناقش ويتحاور ويثري المحتوى أكثر.

ذلك التفاعل الذي يتمثل أساساً بالتعليقات على الفيديوهات، سيعطيك أفكاراً جديدة لتسجيل أو إنتاج فيديوهات أخرى، قد تكون أسئلة تجيب عليها بفيديوهات منفصلة، أو نقاشات تعطيك أفكاراً لعمل فيديوهات بموضوعات جديدة، وهذا ما يمكن تسميته (عجلة الإبداع) فمن الطبيعي أن تشعر بالحماس للعمل أكثر والتفاعل مع المشتركين في قناتك.

يمكنك بعد أن تصل إلى حاجز الـ 10 ألف مشاهدة أن تشترك في برنامج الشراكة كي تتيح عرض الاعلانات في قناتك ثم الحصول على دخل مالي مستمر، بالطبع لن يكون العائد المالي كبيراً في بداية عمر القناة حتى وإن امتلكت آلاف المشتركين، لكن الجميل في الأمر أن العائد المادي ما أن يبدأ فإنه لن يتوقف (بإذن الله) بل سيصعد المؤشر مع الأيام مادمت مستمر في نشر المحتوى بشكل جيد ومميز.

هنالك الكثير من الفيديوهات في اليوتيوب التي تشرح لك طريقة التقديم لبرنامج الشراكة وكيفية تفعيل الاعلانات في قناتك، ثم كيفية تفعيل حسابك في (أدسنس) لاستقبال الأرباح، هذه الأمور لها مصادر تعليمية كثيرة باللغة العربية ولم يعد أمر تعلمها بالشيء الصعب، فقط ابحث وستجد الكثير من المحتوى التعليمي النافع.

أخيراً …

يمكن أن تتعلم طريقة إنتاج وتحرير الفيديو عبر البرامج المخصصة، ستجد الكثير من الدروس التعليمية في اليوتيوب نفسه، فيديوهات تشرح تلك البرامج وتشرح غيرها من البرامج، في واقع الأمر، يمكن أن تتعلم الكثير من الأشياء عبر اليوتيوب، الكثير مما كان يصعب تعلمه والوصول إليه في السابق، قد يكون الدافع (أخلاقي) بحت، وقد يكون أحد الأهداف هو (الكسب المادي)، لكن في الأخير الكثير من العلم النافع يتم نشره عبر هذه المنصة.

إنها عجلة إبداع تصب -في نهاية المطاف- في صالح المجتمع، فكل فرد يتعلم معلومة جديدة تأتي إليه ببساطة وبدون تكاليف هي لبنة تساهم في بناء الحضارة وبناء مجتمع متعلم لديه مهارات يستطيع أن يساهم بها في نماء وازدهار مجتمعه وأمته، وما أجمل أن يحسن المرء منا نيته عندما ينوي دخول مجال النشر الرقمي، سواءً كان نصياً أو صوتياً أو مرئياً، لأن الجزاء سيكون عظيماً … في الدنيا والآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى