مقالات

5 نقاط مهمة قبل أن تقرر إطلاق منصة عمل حر جديدة

أصبح لمنصات العمل الحر أثر كبير في انتشار ثقافة العمل الحر في مجتمعات العالم المختلفة، فلقد كانت أحد أكبر المشاكل التي حالت دون ازدهار هذه الثقافة هي ما يخص الدفع والتسليم، فمن الصعب أن يُبنى الأمر على مبدأ الثقة بين الطرفين، فكان من الضروري وجود طرف وسط هو من يدير العملية ويضمن لكل طرف حقوقه.

لقد حدثت لي شخصياً مشكلة منذ سنوات عديدة عندما اتفقت مع شخص لإنجاز عمل في مجال الكتابة والنشر الرقمي، فأرسلت له المبلغ مقدماً لما وجدت عنه من سمعة جيدة وشكر قادم من عدة أطراف تعاملوا معه، لكن العمل لم يُنجز أبداً، والأعذار لم تتوقف حتى يأست منه وتركته بعد خيبة أمل كبيرة، لم يكن نصاباً، لكن المشكلة في عدم الجدية وخاصة بعد أن تصل الفلوس إلى المحفظة.

رغم أن منصات العمل الحر هي الخيار الأمثل لإنجاز تلك الأعمال التي لا تتطلب حضور الشخص في مكانٍ جغرافيٍ محدد، إلا أنه ليس من الضروري أن يزيد عدد تلك المنصات ويظهر منها الجديد كل شهر، القليل منها يكفي، القليل الذي يقدم الخدمة ذات الجودة العالية أفضل من الكثير الذي يكرر نفس الموجود ولا يقدم أي أضافات ذات قيمة يمكن لها أن تساهم في تطوير وتحسين آليات العمل الحر.

منصات كثيرة لكن …

سأحاول عدم ذكر أية أسماء مواقع ومنصات في هذه المقالة، كي لا يعتبرها البعض مقالة دعائية لبعض المنصات أو تهدف إلى انتقاص المنصات الأخرى والتقليل من شأنها، فلقد مررت بالعديد من منصات العمل الحر التي تعتمد على فكرة تقديم الخدمات المصغرة (تلك التي يمكن طلبها وإنجازها بـ 5 دولار أو مضاعفاتها) البعض منها ظهر لفترة ثم اختفى، مشاريع قامت على هذا المبدأ -ولازالت تقوم- ما لبثت أن فشلت وضاع الجهد الذي بُذِل فيها، فيا ترى ما هو السبب؟

هنالك منصة مشهورة في العالم العربية تقوم على فكرة تقديم الأعمال المصغرة، وأغلب المهتمين يعرفونها، لكنك لو جربت أن تبحث عن منصات مشابهة لها فسوف تجد الكثير مما ظهر في الفترة الأخيرة، لكنها للأسف ليس فيها تفاعل والبعض منها قد أغلق أبوابه، إنها منصات خاوية تفتح أبوابها لكن للهواء فقط، فليس هنالك من يشتري تلك الخدمات المعروضة.

جرب أن تبحث في الانترنت بعبارة (منصات العمل الحر) سوف تجد مقالات تسرد تلك المنصات والمواقع، وسوف تجد أن معظم تلك المواقع متوقف، بل سوف تجد في التعليقات من يعرض موقعه الجديد الذي يقدم نفس الخدمة ويحاول منافسة ماهو موجود، ثم حاول وأنت تتجول بين صفحات المنصة أن تكتشف سر تميزها الذي يمكن له أن يساهم في صعودها ومنافستها مع غيرها من المنصات التي غرست جذورها عميقاً في الويب منذ سنوات، فتكاد لا تجد.

1. مبدأ القيمة المضافة

ثقافة “القيمة المضافة” يمكن لها أن تساهم في نهضة الأمم والشعوب بشكل عام، ففي علم الإقتصاد يتم تعريفها بأنها :

تقديم البائع للزبون مجموعة من الأرباح المادية مثل الخدمة والصيانة المجانية أو هدية تزيد من سعر المنتج الحقيقي بشكل يسمح للبائع من رفع السعر

فهنالك قيمة جديدة يضيفيها البائع على السلعة الأساسية، وعندما نتحدث عن المشاريع الرقمية فإننا نعني بأن يكون هنالك شيء جديد غير متاح في السابق أو حل لمشكلة موجودة في المنصات الموجودة فعلياً، أما أن تأتي بمنصة جديدة لا تقدم أي جديد فهذا من العبث الذي لن يؤتي ثماراً طيبة.

اخبرني بسبب مقنع يجعلني أترك المنصة القديمة وأنتقل إلى منصتك الجديدة؟ قد تكون خاصية من الخصائص الغير متوفرة في المنصة القديمة، وحينها عليك أن تقنعني أيضاً بأهمية تلك الخاصية وجدواها، أو ربما هنالك مشكلة فعلية تواجه من يستخدم المنصة القديمة وقدم لنا بالحل، هنا أنت أضفت قيمة جديدة في العمل أو المشروع الذي تطلقه وتحاول تسويقه، وهنا تكون قد خطوت أول خطوة حقيقية للنجاح.

2. تحقيق التوازن بين العرض والطلب

هذه المنصات التي تقوم على فكرة (اقتصاد الند للند) ليست كأي منصات أخرى تقدم خدمات محددة، فأنت هنا (بصفتك مدير المنصة) لا تقدم الخدمة بنفسك، بل الجمهور هو من يقدم الخدمات والجمهور أيضاً هو من يشتري الخدمات، وانت في الوسط تحاول إمساك العصى من المنتصف، وهنا تكمن الصعوبة.

يجب أن تنمو بشكل متوازي، أن يكون هنالك نشاط في تقديم الخدمات مقارب لحجم النشاط في الطرف الآخر الذي هو شراء الخدمات، فلو أنك بذلت الكثير من الجهد والمال لجلب أعداد كبيرة من مقدمي الخدمات وأهملت جانب تسويق تلك الخدمات لجلب المشترين لها، فسيشعر من يقدم الخدمة عدم الفائدة من بقائه في منصة ليس فيها من يشتري خدماته أو حتى يلقي عليه السلام، وحينها سيغادر ويعود إلى المنصة الأولى التي يجد فيها من يشرتي منه.

كما أن العميل الذي يريد شراء خدمات متعددة يريد أن يرى تنوعاً في تقديم الخدمات وتنافساً في الجودة والسعر حتى يجد مبتغاه ويعثر على ضالته، فإن كان اهتمامك الأكبر ينصب على جلب من يشتري الخدمات فوسف تجد نفسك عالق بالكثير من المستخدمين والقليل من الخدمات، ومن الطبيعي أن يتم هجر منصتك بعد حين والبحث عن منصات يجد فيها المستخدم مبتغاه.

النجاح في هكذا نوع من المشاريع ليس بالأمر اليسير، يحتاج لفريق عمل مؤهل يدير عملية التسويق بشكل متوازن ويساهم في نمو المنصة بشكل متدرج وعلى خطىً ثابته.

3. بناء الثقة أولاً

الثقة أمر مهم في المشاريع التي تحتوي على تعاملات مالية، العميل أو المستخدم لن يدفع المال أو يعطي معلومات بطاقته البنكية إلا لجهة يثق فيها، لذلك فمن المهم جداً أن يكون هنالك تواصل وشفافية بين إدارة المنصة وبين المستخدمين، من الجيد أن يكون هنالك قصة تُحكى ليعلم المستخدم من يقف خلف هذه المنصة وماهي القصة من وراء ظهورها على السطح.

سنعود مجدداً للتسويق وفن التسويق، فالتسويق الفعال هو من يهتم ببناء علاقة تهدف لزراعة الثقة بين المنصة من جهة والجمهور المستهدف من جهة أخرى، لن يكون ذلك عبر منشور فيسبوكي واحد أو فيديو ممول، الأمر يمتد على مدى فترة زمنية يتدرج فيها الخطاب التسويقي من التعريف ابتداءً حتى آخر طوبة من بناء الثقة، وحينها سيقوم المستخدم بالتعامل مع المنصة بدون مخاوف أو هواجس.

4. لا مكاسب على المدى القريب

إحدى الشركات العربية التي قدمت منصة للإعلانات الرقمية، كانت تقوم بنفسها بالإعلان لبعض منتجاتها عبر منصتها، فهي تستفيد بتسويق منتجاتها لكن أيضاً هي تفيد الناشرين وأصحاب المواقع المسجلين في المنصة، فهم يريدون كسب المال، وكسب المال لن يتم إلا بوجود معلنين تظهر اعلاناتهم في مواقعهم ويقوم الزوار بالنقر عليها، وعندما يحدث خلل في التوازن ويقل عدد المعلنين، حينها يجب على إدارة المنصة التدخل كي لا تخسر قاعدة الناشرين لديها.

قد يكون التدخل بنشر إعلانات مباشرة، أو بالتواصل بالشركات وإقناعهم بالإعلان في منصتها، أو تقدم مميزات وتسهيلات لكلا الطرفين، هنالك العديد من الحلول لكنها تتطلب تكاليف وأموال، لذلك فلا يتوقع أصحاب المنصة أن يبدأوا بكسب المال من الشهر الثاني أو ربما السنة الثانية، سيكون هنالك الكثير من المصاريف التشغيله في البداية حتى تنتشر المنصة ويذيع اسمها.

5. الدعم البشري المستمر

هنالك من المشاريع الرقمية ما يمكن ميكنته (جعله يسير بشكل آلي) ثم تركه يدير نفسه بنفسه دون الحاجة للتدخل البشري إلا في النادر، لكن ليست منصات العمل الحر أحد هذه المشاريع، فهي تحتاج إلى دعم بشري متواصل، فسوف تجد الكثير من الخلافات والنزاعات بين البائع والشاري والتي يجب على إدارة المنصة التدخل فيها وحلها، كما يجب أن يكون هنالك مراجعات للخدمات المقدمة والمنشورة والمتابعة المستمرة للتأكد أن الامور تجري على ما يرام.

كانت تلك بعض الخطوط العريضة التي أحببت أن أشارك بها معكم، وطبعاً هنالك الكثير مما يجب تعلمه قبل وأثناء تطوير أي مشروع تقني أو رقمي بشكل عام، فالتعلم والاستفادة من تجارب وخبرات الآخرين هو أحد الدعائم الرئيسية لنجاح أي مشروع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى