مقالات
من المذكرات: هاتفي الذكي .. دمّر حياتي
للأسف! هذه هي الحقيقة: لدي مذكراتي الخاصة أعبث بكتابتها من حين لآخر، قد يبدو بعضها مكتوباً بالسريانية أو مُعادلات الكيمياء التي لن يفهمها سواي، بينما تظلّ البقيّة في حجم مقالة أو مقالة ونصف. كبيرة الحجم؟ السبب في ذلك عادتي بعدم تدوين ما طرأ في حياتي وحسب، وإنما اكتشفت أنني لم أكن أدوّن سوى كل ما اعتبرته مشكلة حقيقية في حياتي – يمكنكم الآن تخيُّل حجم مذكراتي البسيط!- التي لابُدّ من وضع حلول حقيقية لها.
سيتضح لكم ما أعنيه جيداً خلال القراءة، ولأن الأحداث التالية دارت في عام 2011، لننفضَ الغُبار المتراكم عليها، ثم نبدأ، على بركة الله:
قبل فترة ليست بالقليلة، تغيرت حياتي بشكلٍ كبير. لم يكن انتقالي الكبير ووظيفتي الجديدة السبب في هذا التغيير. لم تكن أحداث مصر التي لا يُمكن التنبُّؤ بها أيضاً هي السبب. ولا حتى ابنة أختي الصغيرة – ست سنوات- التي تعلم كيفية تفادي “الستريمينج” الخاص باليوتيوب للاستمتاع بمشاهدة الكارتون دون تقطيع، لا ليست السبب أيضاً.
الأمر ببساطة: أنني حصلت على هاتف ذكي.
بعد أطول فترة رغبت في البقاء حيَّاً أكثر من أي إنسان على وجه الأرض يهوى استخدام الهواتف مع عدم وجودِ إنترنت بداخله، شعرت أنني يجب أن أتقبّل – قسمتي ونصيبي- من الاتصال والتقنية. ظنَّاً مني أنه سيخدم وقتي الثمين، وكنزي الحقيقي.
لو كنت أعلم فقط حقيقة هذا الجهاز الصغير المُصغر هذا، لكنت تراجعت عن فكرة اقتناءه تماماً. لكن وكما يبدو، حينما تأتي تلك اللحظة، عليك – ولا شك- أن تفرح بالمصيبة في سذاجة مُضاف إليها القليل من السعادة لتحسين الصورة.
ما تبع ذلك كان أقل ما يُقال عليه هو “كارثي”. لقد أصبحت هذا الشاب الذي يستيقظ، وعلى الفور يمر على كل نوع من وسائل الاعلام الاجتماعي، والبريد الإلكتروني، مع إبقاء عين واحدة مغمضة لكونها الأقرب من الوسادة. الشاب الذي قد ينظر باهتمام ملحوظ في صورة يذكر صاحبها أنه حصل على زوج من الأحذية الجديدة – بطبيعة الحال أبحث عنها داخل الصورة-. الشاب الذي يهتم بجعل هاتفه إلى جانبه على الطاولة، في الاجتماعات / وعند تناول الطعام / والمُناسبات، ويقوم بالتقاطِ هاتفه مع ما يقرب من كل 30 ثانية. الشاب الذي لم يَعُدْ قادراً على الحياة والعيش دون التفكير في أي أمر عظيم إلا وتخلله الدخول على تويتر، ويميل إلى التغريد، وكذا الحال على إنستقرام وفيس بوك – وكل شيء اجتماعي. ربما ما هو أسوأ من كل ذلك، أنني أصبحت هذا الشاب الذي لا يُمكنه أن يُساعد أحد. لكنه قادراً على التحقق من هاتفه وهو جالس مع الآخرين، فقط لمجرد أن شخصاً ما كتب شيئاً ما تافهاً على واتساب.
أنا وبكل صراحة أكره هذا الشاب. ولا أريد أن أكون هو. إذا كان أي منكم يُتابعني في السابق، سيتذكر أنني في فترة ما كنت أقوم بالتدوين على كل شبكاتي الاجتماعية. كنت هذا الذي يستغرق أسبوعاً من الانتظار لمتابعة كل التعليقات – ناهيك عن الرد عليها-، والذي من شأنه يشعر بسعادة عارمة لغياب العديد من مُكالمات الأصدقاء والأحباء – لأن هاتفه قام بتفعيل هذا الجانب المُظلم لجعله في ركنٍ بغرفته لعدة أيام. باختصار، كنت في طريقي لأكون شخصاً آخر.
هل هُناك حلاً وسطاً؟ هل من المُمْكن أن أكون إنساناً من نوعٍ جديد من الشباب، الذي يعيش في حقبة ما بعد الهاتف الذكي لكن بطريقة أو بأخرى لا يقع تحت تأثير هاجسه؟
عندها، أتيت باثنين من أقرب الأقرباء إلى قلبي – ورقة وقلم- واعترفت لهما بمشكلتي الحقيقية، وأعانني الله تعالى بجعلهما سبباً للتوصُّل إلى خمس قواعد يجب أن أتعايش بهم؛ إن أردت أن أوقف هذا الوضع المتأزم، وإيقاف انشغالي الشاغل بهاتفي الذكي. إن لم أنجح في تطبيقهم خلال الشهر المقبل – نعم فترة طويلة، لكني افترضت وجود المثبطين ومعاناتي معهم- ثم سأعود إلى عصر ما قبل الهاتف الذكي إن لم أنجح. سأُبقي هاتفي الذكي لأغراض العمل فقط، وأعود إلى هاتفي النقي الذي لا يسمح باستخدام الإنترنت.
انتهت المذكرة! والنتيجة؟ هذه مذكرة أخرى، لكن باختصارٍ شديد، بعد مرور شهر كنت قد استعدت حياتي الطبيعية من جديد، استطعت مُوازنة الأمور جيداً، إذا كنتم مثل هذا الشخص الذي كان أنا في السابق. حاولوا الخروج من نطاق السيطرة في علاقتكم مع هاتفكم الذكي، وأدعوكم للقيام بتنفيذ ما سبق ذكره خلال الأيام الثلاثين المُقبلة. الأمر ليس انقطاع عن العالم، وإنما مجرد ترشيد حقيقي وجاد؛ من أجل استعادة هويّتنا الحقيقية من جديد، بدلاً من تلك الشخصية الهزيلة المريضة بالفومو والفرح بضياع الأوقات.