مقالات
المشكلة في ذواتنا
هناك فئة من المتشائمين الذين يعتقدون أن ضرر الانترنت أكبر من نفعه، ولو أن الانترنت من بدء اتصالهم به يعرض عليهم صفحات إجبارية ويختار لهم المواقع التي يتصفحوها لكان معهم الحق في تذمرهم، لكن جميع المتذمرين ينسون دائماً أنهم يستاءون من اختياراتهم الشخصية في التصفح.
أما إذا كانوا يعتقدون بوجود شبكة فاضلة وأنهم لن يجدوا إلا كل ما يسرّهم فإنهم سيصدمون بالتنوع الثقافي والاجتماعي الذي لم يعتادوا على رؤيته في الحياة الواقعية وتفاجئوا به أثناء تجولهم في الشبكة العنكبوتية العالمية. يجب أن لا يغيب عن بالهم أن اختلاف مشارب الناس وأنماط تفكيرهم هو من سنن الله –جل جلاله– في الخلق، وأن الله سخّر أقواماً لأقوام، فمثلاً العلماء في مجالات مختلفة كالطب وعلم الاجتماع وعلم النفس وغيرها يقدمون لنا عبر الانترنت حقائق علمية متجددة نستطيع الاستفادة منها في حياتنا اليومية، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.
في الحقيقة أتاح الانترنت للجميع بلا استثناء مساحة لعرض آراءهم الشخصية وأفكارهم وأيضا حرية الرد على آراء الآخرين، إذاً فهي نقطة تُحسب للانترنت وليس عليه، مع أن بعض النقد لاذع ولا يفيد في شيء لأنه يركز على المشاعر وليس على المنطق وجدال المشاعر دائماً يؤدي إلى السب أو اللعن مما ينافي صفات المؤمن كما في الحديث “لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا بِاللَّعَّانِ ، وَلَا الْفَاحِشِ الْبَذِيءِ”.
وأما المؤمنين بنظرية المؤامرة الكبرى وأن الانترنت وسيلة للتغريب ومحو الهوية الإسلامية فهم أناس يفتقدون للثقة في مبادءهم ومعتقداتهم، ويعلنون بهذه النظرية ضعفهم وضياعهم. محاولات التغريب ليست شيئاً جديداً فهي موجودة منذ أشرقت شمس الإسلام، ومشكلتنا العظمى هي الرغبة في السيطرة والتحكم بكل شيء، فتضيع طاقات كثيرة دون أن تُحدِث ذرة تغيير، بينما في المقابل نستطيع أن ننشر الوعي بين أبناءنا ونوجههم عبر تصفح هادف ونعودهم على لغة حوار سامية.
عفواً هل نسي هؤلاء أو تناسوا أن بإمكانهم الحصول على مواقيت الصلاة واتجاه القبلة في أي بقعة من الأرض عبر الانترنت؟ وأنه يمكنهم التأكد من أحد الأحاديث النبوية عن طريق مواقع مثل موقع الإسلام التابع لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد؟ خصوصاً في ظل خواء مكتباتنا المنزلية من الكتب الدينية فهي مليئة بكتب الطبخ والأبراج، ولا أقصد هنا التعميم لكنه حال الكثيرين.
لنفرض جدلاً أن خوف المستخدم على معلوماته الشخصية نَبَعَ من ناحية أمنية وليست دينية، فهو يعلم إذاً أنه لا يزال بإمكانه الاستفادة من آلاف المواقع دون أن يكتب حرفاً واحداً، هذا إذا كان يعتقد بأن هناك من يتصيد معلوماته للإطاحة به في المستقبل، وهنا تكون مشكلته هي الشك والريبة وليست الشبكة العنكبوتية بحد ذاتها.
النظر إلى النصف الفارغ من الكأس لا يخدم أحداً، وعوضاً عن ذلك يجدر بنا البحث عن المميزات، لنكتبها على ورقة لو اضطررنا فنحن سنكتشف أن القائمة لا تنتهي بدءاً من:
- اختصار الوقت والجهد: محركات البحث وحدها كفيلة بدحض فكرة غلبة الأضرار على المنافع.
- إلغاء الوقوف في طوابير الانتظار والتعرض للزحمة المرورية: التعاملات المالية الالكترونية وتعاملات الحكومة الالكترونية.
- وللمرأة الاستفادة من مواقع تحتضن مواضيع تناسب اهتماماتها دون أن تضطر للخروج من المنزل.
هذه النقاط جوهرية كحد أدنى للاستفادة من شبكة الانترنت ومن الإجحاف بحق الشبكة العنكبوتية حصر مزاياها بالمذكورة أعلاه فقط، فكل شخص يستطيع الاستفادة منها بما يخدم تخصصه واهتماماته (الإعلان والتسويق، السفر، الإدارة، التصوير الفوتوغرافي، الرسم والتصاميم والفنون، الترجمة، التغذية، الترفيه، … إلخ).
همسة: الانترنت مركب شراعي تحرّكه رياح مختلفة، لكن أنت وحدك الذي تختار الاستجابة لاتجاه رياحٍ معين ثم الوصول إلى غايتك المنشودة بنجاح، أما إن أسأت التوجيه فلا تقم بلوم المركب ولا الرياح ولا البحر، وبدلاً من أن تتخبط كثيراً وتسرف في الشتم نصيحتي لك أن توجّه لومك للشخص الذي يستحق اللوم فقط!