مقالات

تاريخ الحاسوب اللوحي

أن تكون الأول في السوق لا يعني بالضرورة أنك ستكون الأفضل، هل تتذكر أو تعرف من صنع أول مشغل صوتي يدعم ملفات أم بي 3؟ لا أظن ذلك لكن بالتأكيد تعرف أن آيبود هو اللاعب الأساسي في هذا السوق، لو فكرت بالأمر قليلاً لوجدت شيئاً غير منطقي في الأمر، أبل دخلت هذا السوق متأخرة نسبياً وبجهاز يحوي خصائص أقل من الأجهزة المنافسة وسعر أعلى وأبل في ذلك الوقت لم تكن أبل الناجحة المعروفة في وقتنا هذا، مع ذلك نجح الجهاز في الاستحواذ على سوق بدأ يكبر حتى أصبح آيبود بمختلف أنواعه هو المشغل الصوتي، الناس لا يشترون مشغل أم بي ثري بل آيبود، وحتى التدوين الصوتي الذي يسمى بودكاست دليل على انتشار اسم آيبود، كلمة بودكاست دخلت قاموس إكسفورد ككلمة معترف بها.

منذ أن أعلن عن آيباد وحتى اليوم والجدل حوله لم يتوقف ولا أظن أنه سيتوقف، ومرة أخرى أبل لم تكن الأولى في السوق وحاسوبها اللوحي من ناحية المواصفات والخصائص ليس الأفضل، ما تقدمه أبل في حاسوبها تجربة استخدام أفضل من أي شيء آخر، لأول مرة هناك حاسوب لوحي ناجح بعد 20 عاماً أو أكثر من تجارب لم تنجح لشركات كثيرة بما فيها أبل نفسها.

ألواح الكتابة قديمة قدم التاريخ، فقد صنعت من الطين في سومر وآشور وبابل، وصنعها الإغريق والرومان من الشمع وبقيت ألواح الشمع تستخدم حتى القرون الوسطى ثم ظهر الورق الذي نقله المسلمون من الصين ولا زال الورق يستخدم حتى اليوم، هناك كثير من المواقع على الشبكة متخصصة فقط في الدفاتر وكل ما يتعلق بها، تجد في هذه المواقع أناساً يستخدمون الدفاتر لتسجيل ملاحظاتهم ويومياتهم أو أي معلومات شخصية أو معلومات متعلقة بالعمل، بعض الناس يستخدمونها كسجل لرحلاتهم ويرسمون فيها مناظر من مدن مختلفة، بالطبع يمكن لهؤلاء أن يستخدموا الحاسوب للكتابة وكاميرا رقمية لتصوير أي شيء لكن أين المتعة في ذلك؟

المتعة، لعلها الكلمة التي تفسر لم حاولت شركات كثيرة أن تصنع حاسوباً لوحياً، البعض لم يفهم لم يحتاج أي شخص لحاسوب لوحي وهناك حواسيب نقالة تقدم كل شيء يمكن للحاسوب أن يقدمه، لكي تفهم الأمر عليك أن تجرب، ليس بالضرورة أن تمتلك حاسوباً لوحياً بل فقط خيال خصب وربما غرفة لا يراك فيها أحد لكي لا تلقي باللوم علي إن اتهمك أحد بالجنون! هات كتاباً أو دفتراً بحجم حاسوب لوحي يناسبك وتخيل أنك تتصفح الشبكة من خلاله، أو تشاهد مقطع فيديو أو تسجل ملاحظاتك، الحاسوب بين يديك، يمكنك أن تجلس على كرسي مريح وأنت تستخدمه، هذا ما يجعل استخدامه مختلفاً عن أي حاسوب آخر، الحاسوب بين يديك وبشاشة كبيرة، يمكنك أن تفعل نفس الشيء مع هاتف ذكي بشاشة كبيرة، لكن الفرق في حجم الشاشة بين الهاتف والحاسوب اللوحي يجعلني أرجح كفة الحاسوب اللوحي، حجم الشاشة يصنع فرقاً كبيراً.

الحاسوب اللوحي بدأ كفكرة في عام 1968 عندما كانت الحواسيب أجهزة تكلف الملايين وتأخذ مساحات كبيرة، ألن كاي عالم الحاسوب وضع تصوراً لحاسوب سماه داينابوك وكان هدف الحاسوب تعليمي، لاحقاً كتب ورقة بعنوان الحاسوب الشخصي لكل الأطفال من كل الأعمار وفيها كتب تفاصيل تصور داينابوك، مصطلح “الحاسوب الشخصي” لم يكن معروفاً أو موجوداً في ذلك الوقت، الحواسيب كانت تصنع لمؤسسات لا للأفراد لكن ألن كاي وغيره رأوا أن مكونات الحاسوب تصغر وتكلفتها تقل بمرور السنين وبالتالي سيتمكن الأفراد في يوم ما من شراء حواسيبهم الشخصية، لكن تصور ألن يذهب لأبعد من ذلك ليتوقع أن الحاسوب الشخصي سيكون محمولاً وسيكون قادراً على أداء مهمات عديدة، وفي الورقة ذكر أن الشاشة يمكنها أن تغطي كامل الحاسوب ويمكن أن تعرض ما يناسب من أزرار تعمل باللمس.

ظهر أول حاسوب محمول في أوائل الثمانينات وهو غيرد كومباس (GRiD Compass) الذي كان يباع بسعر يتراوح ما بين 8 إلى 10 آلاف دولار! البعض يرى أن لقب أول حاسوب محمول يجب أن يذهب لحاسوب إبسون أتش أكس 20 الذي كان يحوي شاشة صغيرة تسمح بعرض 20 حرفاً وأربعة أسطر، بعد ذلك توالت الحواسيب فهناك تاندي تي أر أس 80 موديل 100 – اسم طويل! – وهو حاسوب يعمل ببطاريات عادية ولا زال بعض الناس يستخدمونه حتى اليوم لبساطته وجودته، شركة غريد (GRiD) صممت حاسوب غيردباد (GRiDPad) في عام 1989 وهو حاسوب لوحي يعمل بقلم.

جميع المنتجات السابقة ظهرت في الثمانينات وأغلبها لم يحقق أي نجاح يذكر إلا ربما حاسوب تاندي، هذه الحواسيب مهدت الطريق لحواسيب أخرى في التسعينات، فمن غيردباد ظهرت فكرة الحواسيب الكفية بالم، جيف هوكنز مؤسس شركة بالم كان يعمل في شركة غريد قبل ذلك، أول منتجات بالم كان حاسوباً يسمى زومر (Zoomer) لكنه لم ينجح، اتجهت بالم لإنتاج حواسيب أصغر وأبسط واستطاعت أن تحقق نجاحاً ملحوظاً لكن سوقها بدأ يقل حجمه عندما ظهرت فكرة الهواتف الذكية، بالم لم تتعامل بشكل صحيح مع هذا التغيير وخسرت سوقها وكادت أن تغلق أبوابها، ما كان على بالم أن تفعله هو تصميم آيفون قبل ظهور آيفون.

في نفس وقت ظهور بالم زومر ظهر منتج من أبل هو نيوتن حاسوب كفي يعمل بالقلم لكنه لم ينجح لأسباب عديدة منها السعر وكذلك تقنية التعرف على الكتابة التي لم تصبح جيدة بعد، أبل عالجت هذه المشكلة في نسخة لاحقة لكن الضرر على سمعة المنتج كان كبيراً وأصبح من الصعب تغيير الصورة السلبية للمنتج في أذهان الناس، نيوتن كان يحوي عدة أفكار ذكية في وقتها، مثل قاعدة البيانات التي يمكن لأي برنامج أن يصل لها وبالتالي يمكن من خلال أي برنامج تعديل البيانات دون الحاجة للخروج منه إلى برنامج آخر.

في عام 2001 وفي لاس فيغس أعلن بيل غيتس عن النسخة المخصصة من ويندوز أكس بي للحواسيب اللوحية وعرض نموذجاً اختبارياً لحاسوب لوحي وتوقع أن الحواسيب اللوحية ستكون خلال خمس سنوات سيكون هذا النوع من الحواسيب هو الأشهر من بين كل الأنواع، هذا لم يحدث، الحاسوب اللوحي بنظام ويندوز لا زال معنا ويمكن أن تشتري واحداً لكنه لم يحقق التأثير الذي يفترض به أن يحققه، مايكروسوفت لم تفعل الكثير لكي تضمن نجاحه، مجرد إضافة بضعة برامج تعمل بالقلم لم يكن كافياً، أحد المدراء كان مسؤولاً عن أوفيس في ذلك الوقت رفض أن يعدل برنامج أوفيس لكي يتناسب مع الحاسوب اللوحي ويجعل القلم أداة إدخال البيانات الرئيسية، النتيجة كانت واجهة سيئة وغير عملية، أما الأجهزة التي دخلت السوق فقد كانت غالية السعر مقارنة بالحاسوب النقال التقليدي.

مايكروسوفت أعادت نفس الأخطاء تقريباً مع حواسيب سمتها حواسيب نقالة فائقة النقل UMPC، الأجهزة غالية بأداء غير مقبول والنظام لا يقدم الكثير مقابل التكلفة، مايكروسوفت نجحت في رفع مستوى التوقعات حول هذه الأجهزة قبل الإعلان عنها وقد كانت حملة تسويقية رائعة من هذه الناحية، ظن الناس أن مشروع أوروغامي – الاسم من مايكروسوفت قبل الإعلان – سيكون حاسوباً جديداً بأفكار جديدة، البعض ظن أنه جهاز ألعاب، لكن عند الإعلان خابت توقعات الكثير، مايكروسوفت تكرر نفسها، مع ذلك كان هناك فريق من المتحمسين وظهرت مواقع متخصصة في هذا النوع من الحواسيب، الآن لا زالت هذه الحواسيب متوفرة إلا أنها لم تنجح بشكل ملحوظ.

الحاسوب اللوحي فكرة جيدة وضرورية ويتفق على ذلك بيل غيتس وستيف جوبز وعالم الحاسوب ألن كاي وآلاف من الناس الذين جربوا هذه الحواسيب، عدم نجاح المشاريع السابقة له أسباب عديدة، فإما أن الأجهزة جاءت قبل وقتها وكانت غالية السعر وإما أن حزمة الفوائد التي تقدمها لا تبرر شرائها، كل هذه التجارب السابقة مهدت الطريق لآيباد وأبل نفسها مهدت لآيباد من خلال آيفون، لكن كما قال ستيف جوبز، آيفون في الأساس كان مشروع حاسوب لوحي قبل أن يكون هاتفاً.

اليوم آيباد يقدم ما لا يقدمه أي حاسوب لوحي آخر، بإمكان المصانع الصينية أن تنتج عشرات الحواسيب اللوحية التي تعتمد على أندرويد أو ويندوز، لكنها لن تقدم تجربة استخدام مثل آيباد، من المؤسف أنه لا يوجد حتى الآن منافس جدي لآيباد، وأعني بذلك أنني لا أستطيع أن أخرج الآن إلى السوق لأجد حاسوباً لوحياً يقدم تجربة استخدام جيدة في حين أن آيباد متوفر في أسواق كثيرة وسيصلنا في وقت ما، أتضايق كثيراً من الشركات التي تقول “سنفعل، سننتج، سنعلن” ثم لا أجد منتجاتهم إلا بعد عامين أو أكثر أو حتى لا تظهر منتجاتهم في أسواقنا، بدلاً من الحديث عن رغبتكم في صنع جهاز منافس لم لا تنتجون الجهاز وتضعونه في الأسواق؟

كانت هذه نظرة عامة سريعة على مراحل تطور الحاسوب اللوحي من الفكرة إلى آيباد، أتمنى ألا يتوقف الأمر هنا، أتمنى أن يظهر منافس جدي لأبل وأتمنى ألا يطول انتظاري

مصدر الصورة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى