مقالات

أبو سعد ونهاية الحُلـمْ

بحكم العمل الشاق وجدية العمل التي تختص بها تلك المدينة, وذلك بسبب الوضع الاقتصادي الذي يميزها عن غالبية المدن الأخرى.

يبدأ في نهاية دوام كل يوم أربعاء غالبية موظفيها وسكانها بالهروب من الصمت المطبق وكآبة المكان, متجهين إلى أي اتجاه آخر, بحثا عن الحياة ورؤية البشر.

وحيث أنني أحد موظفي هذه المدينة التي تقع في أقصى الشرق الشمالي من المملكة, فلا أبريء نفسي من تهمة الفِرار والهروب من شبح الهدوء المخيف مصطحبا زميلي وصديقي العزيز أبو سعد.

الطريق إلى أقرب مدينة يقدر بحوالي المائة كلم , أي مايعادل 45 دقيقة حتى نصل إلى أقرب مدينة قد تشاهد بها ملامح الحياة الطبيعية.

وبينما نحن في الطريق, فغالباً مايكون هناك بعض النقاشات والحوارات بيني وبين صديقي أبا سعد, وغالبا مايكون الحديث حول مواضيع الحاسوب, وكل ما يخص التقنية, بحكم تخصص بكالوريوس الحاسب الذي يجمعنا.

في العامين الماضيين حصلت بعض التغيرات في خصائص وطقوس هذه الرحلة الأسبوعية.

التغير الذي حدث لم يكن في الحالة الاجتماعية لنا أو في نوع السيارة التي نركبها, فأبو سعد لازال يترنح عازباً مثلي, والسيارة هي تلك السيارة التي لاتوحي بالثراء, وربما الميزة الوحيدة والجميلة في هذه السيارة أنها قد تكفيك من شر الحسد والحاسدين.

التغير الذي حصل كان في نوعية المواضيع المتداولة أثناء السير في الطريق, حيث تبدلت الأمور بيوم وليله وأصبح أبو سعد محلل مالي للمقربين من أصدقائه, وبعد فترة بسيطة انظم إلى أحد المنتديات المعروفة في التوصيات وإدارة المحافظ, وأصبح أحد أعضائه الرئيسين وأحد الأعمدة الرئيسية في فريق العمل.

ولأن أبا سعد يمتلك سعة بال كبيرة ولديه قدرة على تحمل سذاجة بعض المتصلين, وهو من النوع الإن تايم ( IN TIME) وسبق أن تحدثنا في مقال سابق

عن خصائص هذا النوع من البشر.

لذلك رأت إدارة المنتدى أن يتولى أبا سعد عملية الدعم الفني للمنتدى, وأصبح لديه رقم خاص لتلقي المكالمات وإرشاد الناس وتوجيههم نحو آلية العمل, وفي بعض الأحيان يتحول إلى مرشد نفسي لهم, فهذا رجل طلق زوجته بإلحاح أهلها, وهذه امرأة تتهم رجلها بأنه خدعها واختطف مالها, وهذا موظف فصل من وظيفته وأخذ كل ماله واتجه به إلى سوق الأسهم, واليوم أصبح بلا مال ولا وظيفة ولا بيت ولا زوجة, مصائب كثيرة كان يستمع لها أبو سعد وكان خير المجيب والمنصت, وكثيرا كان مايحث الناس بالتوكل على الله, وأن الله مع عباده دائما وأبدا.

أبو سعد أثناء حديثه مع الناس كان دائماً ما يردد عبارة توحي بالفأل والطمأنينة حيث كان يقول:

(يا إخوان ماعليكم سوقكم بخير إن شاء الله )

كم هي جميلة هذه النظرة التفاؤلية.

في المقابل وجدت نفسي أنا في مأزق كبير ومؤلم جدا, فالرحلة الجميلة تحولت إلى كابوس مقلق.

حيث أصبحت وحيدا في السفر وأنتظر على أحر من الجمر أن يتصل بي أحدا لأتحدث معه لأن صديقي أبا سعد أصبح في عالم آخر وهو لا يكاد يلتقط أنفاسه فما أن يغلق الاتصال مع شخص إلا تناوله الآخر يسأله عن بعض الأمور والتوصيات.

سألت أبا سعد بصريح العبارة ماذا تريد من هذه المهنة! هل هناك مردود مادي جيد يقابل هذا العمل المتعب والشاق طوال اليوم من الرد على المكالمات, وتسجيل البيانات ومتابعتها يوميا.

فرد علي بأنه في الحقيقة لايوجد هناك ذلك المردود حالياً, ولكن الأمل في المستقبل وكل ما تحسن سوق الأسهم ازداد عدد المشتركين فتحسن المردود أكثر وأكثر, وأنا أطمح في أن يكون هناك دخل آخر بخلاف ما أتقاضاه من الوظيفة, وكما تعلم حجم المعاناة اليوم, فالراتب الشهري يكاد لايكفي أبدا.

قلت شي جميل ودعوت له من كل قلبي بالتوفيق وحسن التصرف :(

الآن الكل يشاهد ما الذي حل بالناس في هذا الدمار والهلاك, وقد خسر الكثير من أموالهم, وأصبحوا في يوم وليلة تحت قبضة الحديدة.

أبو سعد لا أشك بأنه قد خسر من ماله الكثير و الكثير, ثم أتبعها بخسارة أمور أخرى, وقد تكون خسارة أولائك الذين أرسل لهم رسائل ايجابية بأن السوق بخير وعافية وهم كثر جدا جدا,ً من أشد الخسائر التي خسرها.

الآن هل انتهى الحلم يا أبا سعد ؟ لا أشك في ذلك.

أبو سعد في الآونة الأخير غالبا ما يتصل بي ليسألني عن بعض الأسئلة البسيطة في الأمور التقنية والحاسوبية, وهو الذي كان مرجعنا في الشبكات وإدارة السيرفر, وكل مايستجد في عالم التقنية قد تجده عند أبا سعد.

الجديد عند أبا سعد اليوم قد لايتعدى بعض المعلومات عن اللعبة الألمانية المشهورة والتي لاتخفى على الجميع, والمسماة بالترافيان, فقد تحولت شاشة التداول وبرامج التحليل في جهاز أبا سعد إلى مربعات من الترافيان, وأصبح يسلي نفسه في هذه اللعبة, ويلوح للمنتدى ويبكي على الأطلال من بعيد.

قد يكون أمثال أبا سعد وغيره من الناس كثر جداً وقد أصبحوا الآن بلا هوية, بلا مال, ولا بنون, ولا هدف.

الهدف الوحيد في الحياة لهم أن يعيشوا فقط, أما الأحلام فقد طار بها سوق الأسهم.

لا أخفيكم بأنني كدت أن أكون أحد أولائك المغلوب على أمرهم, ولكن الحمد لله فنقمة الكسل التي أمتلكها تحولت إلى أكبر نعمه منّها الله علي, فقد تأخرت في الذهاب للبنك للحصول على قرض إضافي لكي أدخل سوق الأسهم, ومع مرور الوقت سقط السوق فجأة وضاعت الأموال وانهار الناس, ونفذت بجلدي ومالي والحمد لله.

دمتم بخير وعافية.

مصدر الصورة

‫9 تعليقات

  1. هذه المقالة برأي ليست تقنية فيمكنك أن تضعها في مدونتك الشخصية أو في أحد المنتديات (ربما الخاصة بالأسهم) لا في عالم التقنية

  2. أخي الصادق … فعلاً إنك صادق

    مقالة جيدة ولكنها لا تنتمي لعالمنا عالم التقنية

    شكراً لك أخ بدر وأرجو أن تراعي هذه النقطة في المستقبل

  3. مقرن :
    أهلا بك,,,
    هي مجرد قصة لأحد أصدقاء التقنيةالقدامى, تعرض لتغيرات أبعدته عن التقنية والحاسوب فذاق مرارة فراقها, فقد كان كثيرا ما يسخر مني.
    فقد كنت ممن يحب تطوير نفسه بشكل مستمر في مجال الويب والتقنية بشكل عام,وكان يردد دائماً بأن العالم تحول إلى عالم مال وأنت لازلت تفحط في مواقع النت :)
    واليوم حصل له ماحصل,وخسر المال والتقنية والأصدقاء, فدعونا نسخر منه ونأخذ العبرة :(
    وحياكم الله دائما وأبداً.

  4. شوقي خليل,,
    أخي شوقي سعدنا بمرورك الكريم.
    وكما ذكرت فالقصة هي جزء من واقع ومأساة أحد أبناء الوطن.
    ونحن هنا نحاول أن نعيش الواقع في بعض الأحيان, مخافة أن نتحول إلى روبوتات مع مرور الوقت :(
    دمتـ سالماً.

  5. مقال ممتع اخي بدر فعلا التقني يجب ان لا يكون مبتعد عن تخصصه ….. اخي اذ كنت تعرف واحد فاهم في سيرفر واكسينج سيرفر خله ير سل سيرته على ايميلي

    [email protected]

  6. شدعوه يا بو عياد،ماتذكر سفرتنا مع بعض للرياض بس تذكر سفرتك انت وابو سعد،افا والله.

  7. مقال اكثر من رائع استاذي بدر

    لعل هذا المقال يعطينا دافع ان اسطر بعض من الاحداث الذي مره بها المجتمع السعودي ويرى الاعين ربما ليس بقريب
    ولكن التاريخ لايحفظ الا من يكتبه ويحفظه

    وكم كان مرورك اخي سعود ورفقتك اكثر من رائعة

    تحياتي لكم جميعا

    لازال هناك…. متسعا من الهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى