مقالات

نظرة مختلفة حول الإستحواذ.. أمازون وسوق.كوم

بعد أن هدأت العاصفة لقصة أمازون و سوق.كوم من الرابح؟

لن يكون المقال ذا طابع معلوماتي وسرد تاريخي لتفاصيل الشركتين والصفقة، فهناك الكثير من المقالات التي غطت هذا الجانب، وإنما سيُركز على تحليل الصفقة من عدة جهات، من وجهة نظر أمازون ، وسوق.كوم، والعميل في المنطقة العربية. لنصل للنتجية النهائية من الرابح من هذه الصفقة؟

مبلغ الصفقة بخس حق سوق.كوم:

الكثير اعتبر أن أمازون خرجت منتصرة من هذه المعركة بإستحواذها على سوق.كوم بهذا المبلغ، هذا الشعور تولّد لدى البعض لتركيزهم بشكل أساسي، على قيمة الصفقة المادية وحجم المبالغ الاستثمارية التي حصلت عليها سوق.كوم في السنوات الماضية من عدة مستثمرين. لكن هل صفقات الإندماج والإستحواذ عادة تقتصر على الأرقام المالية للشركات فقط؟ نتفق أن القيمة المالية للشركات تنمو بنمو سمعتها وقيمة علامتها التجارية، لكن يبقى هناك قيمة مضافة للشركات يصعب قياسها بالمال.

مطلق المريشد الرئيس التنفيذي لعملاق البتروكيماويات شركة التصنيع الوطنية:

لا يمكن الحديث عن قيادات وطنية دون الإشارة للمهندس مطلق المريشد نائب الرئيس التنفيذي لشركة سابك سابقًا والرئيس التنفيذي الحالي لشركة التصنيع الوطنية (شركة مساهمة سعودية) وهي أكبر شركة في السعودية بعد سابك في مجال البتروكيماويات. يمتلك مطلق المريشد عقلية إدارية فذّة ويعتبر اللاعب الرئيسي في تأسيس شركات كيان و ينساب (شركات سعودية مساهمة). استعانت سابك عملاق الصناعة الوطنية بمطلق المريشد لقلب الطاولة وتغير مجرى بعض شركاتها التي لم تكن الإدارة العليا سعيدة بأدائها، ونجح مطلق في أداء المهمة. ومن يعرف تفاصيل شركة التصنيع الوطنية سيقدّر التحركات التي قام بها مطلق في صفقة التيتانيوم التي تم الإعلان عنها قبل شهرين. كانت تحركات مدروسة وصفقة رابحة للتصنيع لإحتواء خسائرها في قطاع التيتانيوم كان مطلق طوق النجاة للتصنيع والذي جعل مجلس إدارة التصنيع يستعين به ويُسلّمه منصب الرئيس التنفيذي. هذه العقلية الإدارية الفذّة لمطلق هل عرفت الفشل؟

مكالمة ليلة الجمعة – أبريل ٢٠٠٧م:

في هذا الوقت المتأخر من يوم الخميس حسم مطلق (نائب الرئيس) في مكالمة هاتفية مع محمد الماضي (الرئيس التنفيذي لسابك) صفقة استحواذ سابك على قطاع البلاستيك في شركة جنرال الكتريك، كان التنافس بين الشركات العالمية للإستحواذ عليها شديدا ٥ شركات عالمية دخلت في سابق للإستحواذ على هذه الشركة. دخلت سابك بعرض شراء قيمته ١١ مليار دولار لكن مبلغ العروض من الشركات المنافسة لسابك وصل ١١.٣ مليار دولار في تلك المكالمة كان حديث مطلق والماضي يتلخص في التالي (لا يمكن أن تُشرق شمس اليوم التالي دون أن نضم قطاع البلاستيك في شركة جنرال الكتريك لعائلة سابك) وفعلا رفعت سابك عرضها المقدم إلى ١١.٦ مليار دولار. تمّت الصفقة لسابك في تلك الليلة بعد أن حسمت المنافسة بفارق ٣٠٠ مليون دولار عن أقرب مشتري. بعد عدة شهور من إتمام الصفقة حلّ عام ٢٠٠٨م البائس على العالم واندلعت الأزمة العالمية وهو ما جعل سابك في موقف لا يُحسد عليه أن تُتم صفقة ضخمة قبل حدوث الأزمة الإقتصادية بعدة شهور.

مطلق يفشل هذه المرة؟

لأن الشركة المستحوذ عليها نظريا لم تقدّم حسب وجهة نظر البعض الكثير من الناحية المالية لشركة سابك. وبعد عدة سنوات من إتمام الصفقة المليارية، بادر الدغيلبي في سؤال مطلق هل فشلت في صفقة استحواذ جنرال إلكتريك خصوصا أنك كنت اللاعب الأساسي للصفقة؟ بعد تنهيدة طويلة من مطلق.. “بصراحة التوقيت خذلنا، لم يكن أحد ليعلم عن حدوث أزمة عالمية في ٢٠٠٨م، لكن الصفقة أكبر من مجرد استحواذ سابك على شركة أخرى، سابك قبل إتمام الصفقة لم يكن لديها سوى ٣٠٠ براءة اختراع الشركة التي استحوذنا عليها تمتلك ٦ آلاف براءة اختراع! جميعها ستعود ملكيتها لسابك مباشرة بعد إتمام الصفقة! سابك لم تشتري قطاع البلاستيك لوحده وإنما كانت تشتري منافذ التوزيع المنتشرة حول العالم لهذه الشركة، كان عدد منافذ التوزيع التي تمتلكها جنرال الكتريك حول العالم يفوق ما تمتلك سابك بكثير، هذا ساعد سابك على انتشار جغرافي واسع بطريقة سريعة بدلا من بذل جهد ووقت لتأسيس مكاتب توزيع جديدة. لم يكن الأمر متوقف على منافذ التوزيع لوحدها! بل أخذنا معها الزبائن المتعاملين مع شركة جنرال إلكتريك! أعطتنا هذه الصفقة عُمق استراتيجي في عدة مناطق حول العالم، هذه الصفقة أعطتنا ميزة في الصناعة على بقية الشركات بسبب براءات الإختراع وأصبح لدينا بشكل حصري تقنيات في الصناعة نمتلك حقوقها، بسببها الصين وافقت بعد رفضها سابقا لدخولنا كشريك معها في أحد المشاريع، لكن بعد إتمام الصفقة مباشرة بادرت الصين بالموافقة والسبب؟ أنها علمت هذه المرة أننا سندخل شريك ومعنا بشكل حصري تقنية البولي كربونيت، لذلك الصفقة كانت مفيدة على المدى البعيد”.

ماذا تُقدم أمازون لسوق.كوم؟

1-أمازون عملاق التجارة الإلكترونية تراكمت خبرتها على مدار العقود الماضية، هي ليست خبرة لكيفية التعامل مع العملاء وطرق الدفع والتوصيل ومشاكل الدعم اللوجستي فقط! أمازون تطورت في كل الإتجاهات، بلغ عدد براءات الإختراع التي تمتلكها أمازون في عام ٢٠١٦م ١٦٦٢ براءة اختراع حسب إفصاح IFI Claims office. في عام ٢٠١٢م أمازون كانت تمتلك ٤٤٨ براءة اختراع فقط! و ١١٣٦ براءة اختراع في ٢٠١٥٥م هذا التصاعد الجنوني في عدد براءات الإختراع التي تمتلكها أمازون. دليل على أن الشركة ماضية بشكل قوي لتعظيم جانب قوتها في عدد براءات الإختراع والتي ستكون مثابة صمام الأمان لنمو وتطور الشركة في المستقبل خصوصا في عالم متغير ومتسارع مثل عالم التقنية والتجارة الإلكترونية. في هذا العالم المتسارع لا يمكن أن تسير لوحدك استنادا على جودة البضائع والخدمات اللوجستية فقط! تحتاج إلى سلاح براءات الإختراع التي ستحمي أفكارك وتستطيع معها تقديم خدمات وتقنيات حصرية لك من بين جميع مزودي خدمات البيع الإلكتروني.

2-هل الأمر توقف عند براءات الإختراع؟ من يعرف الرئيس التنفيذي لأمازون سيعرف أن الإجابة لا. فدائما ما يختم خطابه السنوي للمستثمرين بعبارته الشهيرة:

As always, I attach a copy of our original 1997 letter. Our approach remains the same, and it’s still Day 1.

نعم ما زال هو اليوم الأول لنا! ففي كل سنة ومع مرور كل هذه السنوات ما زال يعتبر أن الشركة في بداياتها وأنهم ما زالوا لم يحققوا النجاحات التي يسعون لها. وهذه ليست عبارة دبلوماسية يرددها الرئيس أو كلمة حماسية يُشعل بها عاطفة فريق العمل! وإنما هي ترجمة حرفية لها، يعملون كأنهم ما زالوا باليوم الأول بدليل أنهم يضخون كميات كبيرة من الأموال لصالح الأبحاث والتطوير حيث بلغت ميزانية الأبحاث والتطوير حسب قوائم أمازون المالية لعام ٢٠١٦م ١٦ مليار دولار. ليس هذه هي المعلومة الصادمة. المعلومة التي من الممكن أن تفاجئ الجميع أنه حسب تقرير أصدرته بلومبيرق في منتصف ٢٠١٦م يدرس حجم الإنفاق لقطاع الأبحاث والتطوير للشركات الأمريكية لآخر ١٢ شهر (منذ تاريخ إصدار التقرير) كان المركز الأول في حجم الإنفاق شركة أمازون متفوقة على شركات عملاقة مثل Alphabet, Intel, Microsoft , Apple, Geneal Motors. لم يكن إستثمار أمازون في قطاع التطوير والأبحاث وليد اللحظة بل بدأ معها منذ عام ١٩٩٧م حيث أنفقت حينها ما يقارب ١٠ مليون لهذا القطاع وأخذ ينمو بنمو الشركة وفي عام ٢٠٠٦م (حسب تقرير بلومبيرق) على سبيل المثال لم تكن الشركة ضمن قائمة الأعلى شركات إنفاقا على البحث والتطوير حيث أخذ المركز الأول في ذلك العام شركة Ford Motor بمبلغ ٨ مليار دولار. بينما أمازون في ذلك العام أنفقت ما يقارب ٨٠٠ مليون دولار. وبعد عقد كامل Fordd بقيت ميزانيتها على ما يقارب ٧ مليار دولار بينما أمازون قفزت لتتصدر المشهد بمبلغ ١٦ مليار دولار. ومنذ عام ٢٠١١١م حتى الآن بلغ متوسط حجم الإنفاق على التطوير والأبحاث لدى أماوزن ما يقارب ٢ مليار دولار خلال الربع السنوي الواحد.

3- خدمات تكاملية وخبرة تراكمية:

ستنمو سوق.كوم وتتوسع بدخولها أسواق عربية أخرى ولكنها ستصل لمرحلة الثبات عند نقطة معينة ولن تستطيع الدخول لمرحلة جديدة من الأرباح إلا في حالتين إما دخول أسواق ضخمة وكبيرة مثل الأسواق الآسيوية أو الغربية أو أن تتوسع بتقديم الخدمات ولا تكتفي أن تكون منصة لبيع المنتجات فقط. لو كان ذلك يكفي لاكتفت أمازون بذلك منذ سنوات، لذلك رأينا كيف توسعت أمازون بتقديم خدماتها: (أمازون برايم، أمازون الأفلام بعرضها وإنتاجها، والموسيقى، والقارئ الإلكتروني كيندل، والكتب الصوتية ومتجرها الإلكتروني للكتب، وخدمة الدرايف والصور) وغيرها العديد من الخدمات في محاولة للتوسع والتنويع لضمان استمرار النمو. أمازون ستقدم لسوق.كوم خبرة عمل في ١١ دولة مختلفة ٣ منها في آسيا و ٥ في دول أوروبا و ٣٣ دول في أمريكا الشمالية تعرّضت فيه الشركة لمختلف الظروف والصعوبات التي من الممكن أن يواجها أي مشروع تجاري.

رونالدو مشحور، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لمنصّة سوق.كوم

ماذا تُقدم سوق.كوم لأمازون؟

سوق.كوم عملت في منطقة صعبة من حيث البُنى التحتية وثقافة التجارة الإلكترونية ورغم كل هذه الصعوبات، استطاعت أن تفرض وجودها وتحقق خلال هذه السنوات قاعدة بيانات وعملاء بلغ عدد زياراتهم الشهرية للموقع حسب الإفصاح الرسمي للإستحواذ من أمازون ٤٥ مليون زائر شهريا. تمتلك سوق.كوم الخبرة في السوق المحلي وهو سوق يُمكن وصفه بالوضع الخاص مقارنة مع أي من الأسواق التي سبق وأن دخلتها أمازون بشكل مباشر في الـ ١١ دولة التي عملت فيها أمازون، لذلك تحتاج أمازون لمثل هذا التمهيد قبل الدخول المباشر للمنطقة بنفسها.

ماذا لو تقدمت إعمار بعرض المليار دولار هل تقبل سوق.كوم؟

لو كنت CEO الشركة سأرفض العرض دون أدنى تفكير، إعمار أتت بالمال فقط! بينما أمازون أتت بالمال والخبرة والعُمق الإستراتيجي حول العالم، والتقنية والإختراعات والأذرع التجارية لها من حيث تنوع الخدمات الأفلام والموسيقى والكتب الإلكترونية. سوق.كوم لديها فرص نمو أكثر مع أمازون لكن ليست ذات الفرص ستكون متاحة مع إعمار. لذلك المال لوحده لن يساعد سوق.كوم للإنتقال لمرحلة جديدة من الأرباح، لأنه مهما أضفت من المال لتختصر الجهد وتحصل على أفضل العقول سيبقى أمامك حاجز الوقت للحصول على النتائج وهو ما لا يستطيع المال تقديمه لك. ولا أعتقد شخصيا أن عرض إعمار كان عرضا جادًا، لأنه لو كان العّبار جادّا في ذلك لكن منذ البداية سعى لشراء سوق.كوم بدلا من تأسيس شركة نون، أما من يعتقد أن العبّار لم يقرأ السوق جيدا عندما أعلن عن نون وبعدما بدأ الترتيبات الأساسية لها شعر بصعوبة المهمة مما جعله يفكّر بحل آخر وهو الإستحواذ على سوق.كوم لتسهيل المهمة له وللإستفادة من خبرات أفراد الفريق، فلو كان هذا السيناريو حقيقًا فهذه أقل ما يقال عنها أنها فضيحة إقتصادية بحق شركة عملاقة بحجم إعمار وبرجل أعمال بسمعة وخبرة العبّار أن يُخطئ في دراسة السوق ويكون الخطأ في الخطوات التأسيسة الجوهرية الأولى لا بالفروع والهوامش.

ماذا عن العميل العربي؟

تكاملية الخدمات (منصة بيع إلكتروني، خدمات الأفلام، الموسيقى، الكتب الإلكترونية والصوتية وخدمة البرايم) التي تُقدمها أمازون هو ما يعزز من التجربة الإيجابية لعميل أمازون وهو ما يفقده جميع المنافسين الآخرين سواء سوق.كوم لوحده أو بدخول إعمار أو نون.

صفقة استحواذ سابك وسوق.كوم و أمازون ومطلق المريشد، ما الرابط؟

لنُعيد السيناريو ونُنهي القصة، سابك استحوذت على جنرال الكتريك مع أنها شعرت بخيبة أمل بسبب التوقيت، إلا أنها كانت تسعى لما هو أبعد من الشركة المستحوذ عليها كانت تبحث عن (قاعدة عملائها، قنوات التوزيع النتشرة حول العالم، براءات الإختراع). السيناريو الذي حدث ما بين أمازون وسوق.كوم ع العكس تماما فلماذا يجب على سوق.كوم أن تقبل بالعرض وإن كان قليلا حسب وجهة نظر البعض؟ كم من المال يكفي لسوق.كوم لتحصل على عدد مقبول من براءات الإختراع؟ كم من المال تحتاج لتضخه سنويا في إدارة التطوير والأبحاث لديها؟ كم حجم تكلفة العقول الفذّة التي من الممكن أن تقوم سوق.كوم لاستقطابهم للعمل لديها؟ كم ستحتاج سوق.كوم من الوقت لتنتقل من مرحلة منصة إلكترونية فقط إلى تقديم خدمات تكاملية شبيه بما لدى أمازون؟ محدودية المساحة التي تعمل فيها سوق.كوم (العالم العربي) مع الأخذ بالإعتبار قلة عدد السكان وإقصاء بعض الدول العربية لأسباب أمنية أو اقتصادية يحد من توسّع سوق.كوم في الخدمات أو الإنتشار الجغرافي. كل تلك الأسئلة السابقة تصاحبها تكلفة ضخمة لذلك هل فعليا سوق.كوم تستطيع الحصول على المال الكافي لها؟ وإذا تجاوزنا نقطة المال هل لديها الوقت الكافي لتطوير كل هذا؟ لذلك كانت التوقيت يعمل لصالح أمازون دون جميع المنافسين لذلك من الأفضل لسوق.كوم أن يسلّموا الراية بكل شرف وفخر لأمازون في صفقة عربية سيتذكرها الجميع بدلا من أن تُكابر وتزداد مخاطر بقائها من عدمه في حال عزم أمازون على الدخول بنفسها مباشرة وإطلاق خدمات نون سويا.. فهل ترفض سوق.كوم الفرصة التي فتحت لها جميع ملفات أمازون كاملة وتستفيد من براءات الإختراع، وتحصل على نصيبها من الـ ٢ مليار دولار كل ثلاثة أشهر الخاصة بقطاع التطوير والأبحاث بأمازون؟

الكاتب: أحمد الزمامي http://ahmadaziz.com/

زر الذهاب إلى الأعلى