مقالات

حين يبحث المستخدم عن الاعلانات بدلاً من أن يهرب منها

الإعلانات الرقمية إحدى السمات التي شكلت عصر الانترنت، واحدة من العوامل التي أدت لانتشار المحتوى والخدمات المجانية، فهي المقابل الذي يحصل عليه من يقدم الخدمة بدون اشتراك أو شراء، العالم الرقمي من حولنا ممتلئ بالاعلانات الرقمية، سواءً في المواقع الإلكترونية أو التطبيقات الهاتفية وفي الشبكات الاجتماعية.

الكثير من المستخدمين يهرب من الاعلانات، يعزف عن الرابط إن كان إعلاناً، لا يثق كثيراً في الاعلان، يعتقد أن الاعلان لم يُنشَر إلا لعزوف الناس عن المنتج أو الخدمة، وإلا فلماذا يعلن صاحبه عنه، لو كان جيداً لانتشر من تلقاء نفسه، هكذا يفكر بعض الناس، لكن سوف أختلف معهم في هذه الجزئية وهذا التصور، وقبل أن أسرد حججي التي أحاول بها برهنة رأيي، دعوني أحكي لكم تجربة مررت بها.

قبل أيام كنت أتصفح عالم الفيسبوك قبل النوم -كما يفعل ملايين البشر- رأيت أحد الإعلانات التي تظهر وسط المحتوى في الفيسبوك، تلك المنشورات العادية -أو التي تبدو عادية- إلا أنها ليست من أي صديق أو صفحة مشترك فيها، تظهر لك في الواجهة بدون سابق إنذار، تعرفها من تلك الكلمة الصغيرة في الزاوية بأنها اعلان وليست محتوى أصلي “sponsored“، كان ذلك الإعلان من دار نشر يعلن عن بعض الكتب الجديدة التي ستكون متوفرة في معرض الكتاب، المعرض الذي كان ذلك اليوم هو أول أيامه.

اهتممت بالأمر، فأنا أنوي الذهاب لمعرض الكتاب، كنت أريد أن اتعرف على بعض الأسماء الجديدة في عالم الكتب مسبقاً، وبعد قراءتي للإعلان، تطلعت للمزيد، كنت أعرف أن هنالك اعلانات اخرى متعلقة بالكتب، أعرف جيداً أنني “مستهدف” لأنني أعيش في نفس الدولة التي ينطلق فيها المعرض، واعتقد انني مهتم بالكتب والقراءة -بناءً على الصفحات المعجب بها والمجموعات المشترك فيها- لذلك فالفيسبوك يعرف أني مهتم، وسأكون غالباً من الشريحة المستهدفة لعرض إعلانات الكتب الجديدة.

نزلت أسفلاً، كنت أبحث عن أي اعلانات أخرى مشابهة، كنت أعرض نفسي لها، “أيتها الإعلانات الماكرة، هيا أظهري نفسك لي، فأنا جاهز للاطلاع عليك” وكي اقنع النظام في الفيسبوك أني مهتم بهذه النوعية من الاعلانات، كنت اتفاعل مع كل اعلان خاص بالكتب وبمعرض الكتاب، الضغط على الإعجاب أو التعليق يدل على الاهتمام.

الاعلان كويسلة إزعاج

حالة غريبة! أليس كذلك؟ بدلاً من الهروب من الاعلانات، اقوم بالبحث عنها، أساعد نظام الفيسبوك على التعرف على اهتماماتي، نعم لأني مستفيد، كما أن صاحب الإعلان مستفيد، أنا كذلك استفيد بالتعرف على الكتب الجديدة التي يمكن شراءها من معرض الكتاب، وكذلك الفيسبوك مستفيد، إنها استفادة مشتركة للثلاثة أطراف، لكن فقط عندما تكون تلك الاعلانات وسيلة للإشهار والإعلان بديلاً عن الإزعاج والضغط.

المشكلة هي عندما يأتي الإعلان أكثر من مرة، تشاهده هنا ثم هناك ثم ينط لك في مكان ثالث ….الخ، لا ندري ماهي المشكلة مع تلك النظم الاعلانية أو المعلنين الذين يصرون على عرض الاعلان مرات ومرات، لقد شاهدناه في المرة الأولى ولم نهتم به، إذاً فليبحث له عن غيرنا أو ليقدم لنا شيئاً جديدياً يمكنه أن ينال استحساننا، المشكلة ليست في الإعلان، كما أن المنصات الاعلانية تتيح خيارات للحد من تكرار الإعلان للشخص الواحد، المشكلة في أولئك العاملين في حقل التسويق الرقمي.

قد تضخ الشركة مبلغاً كبيراً من المال لإدارة التسويق من أجل نشر المنتج أكثر في الفضاء الرقمي، وبدلاً من التفكير بحلول إبداعية وطرق ذكية، يقوم مدير التسويق بضخ ذلك المال في المنصات الاعلانية ونشر اعلانه الممل ذاته وتكراره مرات ومرات على نفس المستخدم، الإبداع لا حدود له لكن أيضاً الغباء لا حدود له -بحسب آينشتاين-، فتكرار الإعلان لن يفيد المعلن ولن يفيد المستخدم، بل وسيجعل المستخدمين يهربون من الاعلانات الرقمية ويبنون تصوراً سليباً عنها.

الإعلان كوسيلة إشهار

لكن عندما يكون الهدف من الإعلان هو إشهار المنتج او الموضوع، في مثالنا السابق كان المنتج هو الكتاب، الكتاب الذي يبحث عنه كل مهتم، وخاصة في تلك المواسم وأيام المعارض، أنت بحاجة لمن يعرفك فقط بصدور كتاب جديد أو بعنوان مثير، أن يدلك على بداية الطريقة وسوف تتكفل أنت بالباقي، سوف تبحث عن الإسم في GoodReads لتكتشف آراء القراء حوله، ربما ستسأل عنه صديق، لا تريد من الإعلان إلا أن يكون وسيلة إشهار.

نعم، النتائج الأولى في محرك البحث “قوقل” هي الأكثر إفادة -في الغالب- لكن ليس شرطاً أن تصل كل الأشياء الجيدة إلى النتائج الأولى، بعض المواقع الجديدة والمدونات الحديثة لا تصل إلى الصفحة الأولى في قوقل إلا بعد أشهر عديدة، وقد يلجأ أصحابها إلى استخدام منصة الإعلان في قوقل (Adwords) من أجل إظهار روابط صفحاتهم في المقدمة في نتائج البحث. لكن لا يعني أن تلك الصفحات ليست جيده لأنها إعلانية، قد تكون جيده ومحتواها ذو قيمة عالية.

قد يظهر أحد التطبيقات الجديدة، لكن لأنه جديد لن تجد له فيديوهات أو مراجعات أو أخبار في مواقع التقنية، قد يكون مفيد وجيد لكن للأسف لم يصل إليه الكثير من الأشخاص، ومسألة الشهرة الذاتية تأخذ وقتها، إلى أن يعرفه الناس ويبدأون بالكتابة أو الحديث عنه، لذلك قد يستخدم منصات الإعلان المختلفة كي يظهر نفسه على جمهوره المستهدف، من يريدون تلك الخدمة التي يقدمها، تلك الإعلانات تساعدك أنت أيضاً على الوصول للتطبيق لأنك بحاجة إليه، عبر خاصية الاستهداف بحسب الاهتمام، تلك الخاصية التي تجمع عنك بعض البيانات أثناء نشاطك في الانترنت لمعرفة اهتمامك، تلك الخاصية التي يعتبرها البعض انتهاكاً سافراً للخصوصية.

خاصية تتبع النشاط الرقمي ليست شر محض، فهو يفيدك في الوصول إلى الإعلانات الأقرب لاهتمامك، فواقع الإعلانات الرقمية لا يمكن تغييره، سوف تستمر الاعلانات في الظهور أينما ذهبنا في العالم الرقمي، لكن بدلاً من أن يظهر لنا إعلان علاج للصلع وأنت تنعم بشعر غزير، سيظهر لك إعلان آخر يناسب اهتماماتك وأسلوب حياتك.

هل تتفق معي في هذا الكلام؟ شاركني رأيك في التعليقات.

تعليق واحد

  1. فكرة جيدة و نظرة ذكية لموضوع الاعلانات… فبدل الهروب منها يمكن ان تعرض اهتماماتك بشكل دقيق لكي يظهر ما انت فعلا تحتاج ظهوره… في مثالك انت الكتب…. والله انها افضل من هروبك منها… شكراً على الفكرة.. و شكرا على المحتوى الراقي الذي تقدمونه.. حظا موفقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى