مقالات

كيف تهزمنا تلك الشبكات الاجتماعية في كل جولة وتسرق منا أوقاتنا

تلك الشبكات الاجتماعية، لا شك أنك منزعج كثيراً لكمية الوقت المهدر فيها كل يوم، منشور بعد منشور وفيديو بعد فيديو حتى تتفاجأ وقد قضيت ساعة أو أكثر داخل أزقتها وفي متاهات شوارعها، تزجر نفسك وتخرج سريعاً لكن بعد فترة تعود إليها وتغرق ثانية في بحارها، وفي كل يوم تكسب تلك الشبكات الجولة وتخرج منتصرة محققة عدة ساعات استهلاك من يومك من غير فائدة حقيقية.

قد لا يكون هذا الأمر مشكلة بالنسبة لبعض الناس، البعض الذي يرى في تلك الشبكات والتطبيقات الاجتماعية وسيلة لقتل الوقت، فهو في صراع مع الوقت نفسه، الوقت -في نظره- يمضي ببطئ شديد يقتله، لذلك فهو يبادر هو لقتله، فهذه الشبكات إن كانت مضيعة للوقت في نظرك فقد تكون وسيلة فعالة لتمضية الوقت والحصول على التسلية أثناء وقت العمل الوظيفي الرتيب، كلامي هنا في هذه المقالة ليس موجهاً لأولائك الأشخاص، إنما للأشخاص الذين يرسمون درب نجاحهم ويحددون أهدافهم، فكل يوم هنالك أعمالٌ يجب القيام بها، والوقت لا يكفي أصلاً لإنجاز كل ما نريد إنجازه.

1. الترابط والتشابك

يحدث كثيراً أن أقوم بالدخول للفيسبوك من أجل قراءة رسالة قديمة أو أخذ معلومة معينة من صفحة أحد الأشخاص، لكن ما أن أدخل إلى الصفحة الرئيسية حتى تشدني أول عبارة وأول منشور، ولأنه منشور صغيرة لا يتعدى سطرين أو ثلاثة أسطر، فإن النفس تستسهل الأمر وتقرر أن تقرأه، وربما التعليق عليه، وما أن أنقر على مربع التعليقات حتى تنسدل تحته قائمة لا نهاية لها من التعليقات السابقة، فأقول في نفسي، إنها مجرد تعليقات صغيرة لا ضير في قراءة بعضاً منها.

كانت تلك هي البداية فقط، أما نهاية المسلسل فهي نهاية حزينة، فبعد نصف ساعة من الإبحار والتجوال في صفحات الفيسبوك أتوقف مع نفسي لحظة محاولاً تذكر السبب الرئيسي لدخولي هنا، قد أتذكر وقد لا أتذكر، حينها أجر خيبات الحسرة وأعود من حيث أتيت.

كما هو واضح من اسمها (شبكات) فالشبكة في العادة تكون مترابطة متصلة الأجزاء، تجد فيها عشرات أو مئات الطرق (الروابط) التي توصلك إلى أماكن أخرى، قد تتوه بسهولة داخل الشبكة وتفقد بوصلة الهدف وتضل تتنقل بين تلك الروابط حتى ينقضي جزء كبير من وقتك الثمين.

تأمل قليلاً واجهة الفيسبوك، ألا تلاحظ أنها مختلفة كثيراً عن أي موقع أو شبكة اجتماعية أخرى، في المواقع العادية هنالك عمودين اثنين، واحد للمحتوى الرئيسي (عناوين المقالات مثلاً) والآخر جانبي لبعض المحتوى الثانوي، لكن في الفيسبوك أول ما يشد انتباهك هو عدد الأعمدة، هنالك 4 أعمدة، كل عمود ممتلئ عن آخره بالروابط والأشياء الجميلة التي تشد انتباهك، روابط أصدقاء ومنشورات ومجموعات وحتى إعلانات تبحث عن مكان وسط هذا الإزدحام الهائل، حتى أن الخط قد تم تصغيرة إلى أقل ما يمكن حتى تستوعب تلك الصفحة المسكينة كل هذا العدد الهائل من الروابط والمكونات الجذابة، فكيف لك أن تنجوا وتخرج منها سالماً؟

إن صادف وزرت أحد الفيديوهات في اليوتيوب فقد وقعت في الفخ، هل تظن أنهم سيعرضون عليك الفيديو ثم يدعونك ترحل ببساطة، لا لا،، اليوتيوب يجتهد كثيراً ليقدم لك ما يلفت انتباهك من فيديوهات أخرى في الجانب الأيمن، نعم ليست مجرد فيديوهات متعلقة بموضوع الفيديو الرئيسي، بل هنالك خوارزميات معقدة مهمتها الرئيسية معرفة أكثر الفيديوهات إقبالاً، والتي نشرت خلال الساعات والأيام الأخيرة، وذلك من أجل أن ترصها لك بجانب الفيديو، تقف تلك الفيديوهات ساكنة هامدة تنتظر منك النقر على زر الإنطلاق، لتبدأ رحلتك بين فيديوهات وقنوات اليوتيوب.

2. المحتوى المختصر

يالها من مفارقة عجيبة، فبينما المحتوى في الشبكات الاجتماعية يتميز بأنه مختصر وموجز، إلا أننا ننفق فيه الوقت الأكبر، قد نحب قراءة المقالات المطولة والتحليلات الإخبارية المسهبة في المواقع الأخرى، لكن لو أتيت لتقيس فعلياً المدة الزمنية التي تقضيها في تلك المواقع والمدونات التي تتلقى منها فائدة حقيقية، لوجدت أنه أقل بكثير من ذلك الوقت المهدر في متاهات الشبكات الاجتماعية والتي قد تكون الفائدة منه أقل بكثير.

تطبيق سناب شات، أحد التطبيقات الاجتماعية التي من خلالها يمكنك متابعة الأشخاص ومشاهدة حياتهم بعدسات هواتفهم، النظام هناك نظام صارم، كل سنابه مدتها 10 ثوانٍ فقط، وكي تحتوي كل سنابه على فائدة ولو حتى بسيطة يجب اختصار الكلام والإيجاز قدر المستطاع، العجيب أن هذا التطبيق هو أكثر ما يشغل العالم اليوم، هو أكثر تطبيق يسرق الوقت.

هذا هو السر، عندما تنتهي من مقالة دسمة وتقضي فيها 5 دقائق قد يكون الأمر صعباً علليك أن تقرر قراءة مقالة أخرى، سيكون الأمر ثقيلاً لأن تلك المقالات طويلة بعض الشيء وقد تفكر في ذلك الوقت الذي سوف تقضيه في القراءة، فإن كنت مشغولاً بشيء فستتعذر به وترحل إليه، أما في الشبكات الاجتماعية فكل منشور لن يأخذ من وقتك إلا ثوانٍ معدودة، لذلك حتى إن كنت مشغولاً، لن تمانع أن تستمر في القراءة والاطلاع لأنها فقط منشورات صغيرة، بضع كلمات أو أسطر قليلة، لن تأخذ الكثير من الوقت، ثم، منشور بعد منشور، تغريدة بعد تغريدة، سنابة بعد سنابة، وتستمر المأساة.

3. العناوين البراقة

الكل يجتهد في الشبكات الاجتماعية لتقديم محتوى جيد يجذب الانتباه، الشركات والشخصيات المشهورة وحتى الأفراد العاديين، كل شخص أو جهة لها أهدافها الخاصة بها، ولعل الهدف التسويقي هو الأهم، فتلك الشركة تريد كسب أكبر عدد من المعجبين والمتابعين كي تتمكن من تسويق منتجاتها وكسب المزيد من العملاء، وتلك الشخصية تريد نشر اسمها كي تسوق دوراتها وخدماتها الاستشارية بشكل أكبر، أما ذلك الشخص الذي ينتج الفيديوهات وينشرها في اليوتيوب، الذي يقف خلف تلك القناة التي تنشر الغرائب والعجائب عبر فيديوهات معنونة بأسماء لا يمكن مقاومة جذبها، فهو غالباً يبحث عن المكسب المادي القادم عبر الإعلانات الرقمية.

لعلك لاحظت انتشار الفيديوهات التي تحمل عناوين جذابة في اليوتيوب، تلك الفيديوهات التي ترتص بجانب الفيديو الرئيسي، فهي عبارة عن (مقترحات) يعرضها عليك اليوتيوب لمشاهدتها، فهو يعتقد أنها مميزة لانها قد حصدت عشرات الآلاف من المشاهدات في فترة زمنية قصيرة، أما من يقف خلف تلك الفيديوهات فهم أشخاص يبحثون عن الموضوعات الغريبة (وأحياناً الساخنة) ويحولنها إلى مقاطع مرئية، والهدف جذب أكبر قدر من المشاهدين من أجل تحقيق أكبر قدر من المال.

هم يستفيدون وأنت تخسر، هم يكسبون المال من وراء مشاهدتك لتلك الفيديوهات التي تحتوي على الإعلانات وأنت تخسر من وقتك الثمين، لكن في حقيقة الأمر لا أحد يرغمنا على المشاهدة، نحن من نتوجه بالنقرات ثم نشاهد الفيديو تلو الفيديو.

وأخيراً ..

بإمكان المستخدم أن يشكل شبكاته الإجتماعية كيفما يريد، بإمكانه إلغاء متابعة الأشخاص العاديين ومتابعة الملهمين الذين ينشرون المحتوى الذي يدعم مسيرته في الحياة ويساهم في تعزيز معرفته وخبرته، في كل الشبكات الإجتماعية دون استثناء، نحن من نشكل المحتوى وليس أي شخص آخر.

حتى وإن كانت تلك الشبكات تمدنا بالنافع والمفيد، هذا لا يكفي، لأن عمرك قد يضيع وأنت تتابع المحتوى النظري، ما الفائدة من كل تلك المعرفة إن لم تتحول إلى واقع عملي ملموس في حياتك، مافائدة دروس البرمجة التي تشاهدها إن لم تتحول إلى برنامج أو تطبيق من صنع يديك، ما فائدة قنوات اللغة الإنجليزية التي أنت مشترك فيها إن لم تصل إلى الإتقان وتتحدث الإنجليزية بعد فترة زمنية وفق خطة منهجية، لذا يجب أن تنفق بعض الوقت في الجانب النظري ثم تتجه بقية الوقت إلى الجانب العملي، أن تسبح في بحار الشبكات الإجتماعية وأنت تعرف ماذا تريد وعندما تحصل عليه تخرج، لا أن تستمر لأنك مستمتع بالسباحة، لأن السباحة في ذاتها ليست هدف بل وسيلة.

‫2 تعليقات

  1. سلمت يداك أخي الكريم على هذا الكلام المذهل بأتم معنى الكلمة…
    ومع الأسف كل كلامك صحيح 100% وهنالك شيْ نوهت أنت له وهو فيديوهات اليوتيوب وهو فعلاً عندما تفتح فيديو يأتي على الطرف الاخر فيديوهات كثيرة والهدف منها هو أن تستمر بفتح فيديو بعد فيديو ويضعوا عناويين جذابة وملفة لكي تجعلك تفتح هذا وذاك وهكذا الوقت يمضي وهم يستفيدوا وأنت تضيع الوقت

    هو الشخص ليس غلط أن يتصفح المواقع الإجتماعية والرياضية والفيسبوك وباقي مواقع التواصل ولكن يجب أن لا يكون ذلك أكثر أو على حساب عملك سواء في الحياة العملية أو في أمور الدين كالصلاة والزكاة وغيرها من الواجبات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى