مقالات

حقيقة أرقام التجارة الالكترونية العربية

تنويه: هذا المقال ليس للتشكيك بأي من الأرقام أو التقليل من أهمية جميع قطاعات التجارة الالكترونية، إنما نقوم هنا بتوضيح صورة تلك الأرقام فقط، فأرجو القراءة حتى النهاية.

لا يخفى على الجميع حجم التجارة الالكترونية عالمياً وعربياً، وسرعة نموها المضطرد خاصة في الوطن العربي.

وتذكر جميع التقارير والعناوين العريضة في شتى الصحف والمجلات والمؤتمرات وإعلانات الشركات الاستثمارية وغيرها أرقام كبيرة ونسب عالية مشجعة جداً لجميع المهتمين بهذا القطاع وبالخوض في غمار بحرة الزاخر.

فما هي الحقيقة الفعلية والأرقام الواقعية لهذه التجارة الكبيرة في الشرق الاوسط؟

وللإجابة عن هذا السؤال، دعونا أولاً أن نحدد تلك القطاعات التي تعمل ضمن مظلة التجارة الالكترونية، وهنا نستطيع القول أيضاً ان جميع القطعات بإمكانها العمل من خلال التجارة الالكترونية، فهذه التجارة ليس لها حدود وإمكانياتها مفتوحة الأبواب على مصراعيها.

ولكن هناك بعض القطاعات التي تتصدر حجم الانفاق فيها ،، منها :

1- المرتبة الاولى تذهب إلى قطاع السفريات، حيث يتصدر هذه القطاع المرتبة الأولى في حجم التجارة الإلكترونية العربية، ولا ضرر في ذلك بتاتاً بل يدل على نوعية الخدمات والاهتمام بها، وتسيطر على هذا القطاع الشركات الكبرى بشكل عام وخاص.

2- يأتي قطاع الألعاب الالكترونية في المرتبة الثانية من حيث تصدره للأرقام والاحصائيات، مع العلم بوجود بعض الشركات العربية القليلة جداً التي تُبحر في بَحر قطاع الألعاب الالكترونية.

3- قطاع التعاملات التجارية عابرة القارات، أو بمعنى آخر المشتريات والتعاملات من خلال مواقع أجنبية غير عربية ولا تتواجد فعلياً في السوق العربية (لأسباب كثيرة لسنا هنا بصدد الحديث عنها).

 

متوسط إنفاق الفرد في التجارة الالكترونية
متوسط إنفاق الفرد في التجارة الالكترونية

 

والملاحظ هنا أنه لا نجد ذكر استحواذ قطاع السفريات أو قطاع الألعاب في أي من العناوين الإخبارية (المنشتات) عند الحديث والاعلان عن ارقام التجارة الالكترونية، ولكن نجدها مذكورة على استحياء وباستعجال ضمن صفحات التقارير التفصيلية.

إن الخلل هنا هو تصوير تلك الأرقام على أنها تعكس حجم ومستوى التجارة الالكترونية بشكلها العام وكأن هذه الأرقام تتمحور حول حجم التجارة الالكترونية المباشرة بمفهومها التقليدي (بيع سلعة حسية مقابل العائد المالي).

أذكر هنا على سبيل المثل مجموعة تقارير لأكبر سوقين في المنطقة العربية (سوقي السعودية والامارات):

ففي تقرير سابق بعنوان (رؤى باي بال، التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط بين عامي2012 و 2015) صادر عن شركة باي بال وبالتعاون مع وكالة “آيبسوس” Ipsos للأبحاث، يذكر ان سوق التجارة الالكترونية في الطريق إلى تحقيق الـ 15 مليار دولار بحلول العام 2015.

ولا يوجد أي مأخذ في هذه الدراسة ولا في العنوان، ويكمن الخلل ان تتناقله معظم إن لم تكن جميع وسائل الإعلام بدون التفصيل فيه، حيث وعند التمعن في الدراسة تجد ان قطاع السفر يحتل المرتبة الأولى في حجم الانفاق كما ذكرنا وبمعدل تقريبي يساوي 60%، واقتطف من ذلك التقرير ما يلي وبالنص:

  • ” يبقى السفر الصنف الأكثر شعبية لدى المتسوقين الإلكترونيين “،
  • ” ولكنّ تذاكر السفر تمثل أعلى مجموع إنفاق عبر الإنترنت (في قطر) “،
  • ” في الإمارات العربية المتحدة، يمثل السفر أكبر حصة (67%) وأعلى معدل سنوي للإنفاق عبر الإنترنت “،
  • ” يحتل السفر المرتبة الأولى في الإنفاق عبر الإنترنت إذ تبلغ نسبته (59%) وأعلى معدّل سنوي للإنفاق عبر الإنترنت “.

ذكر تقرير آخر لغرفة تجارة وصناعة دبي  أن توقعات إجمالي سوق التجارة الالكترونية في الامارات العربية المتحدة سيصل إلى 10 مليار دولار عام 2018، وهذا رقم رائع وكبير، وذكر نفس التقرير أن إحصاءات السوق تشير إلى أن شريحة السفر تستحوذ على أكبر حصة من الإنفاق عبر الإنترنت بنسبة تبلغ 67% من إجمالي الإنفاق، وبين أنه على الرغم من الأداء القوي لشريحة تجارة التجزئة عبر الإنترنت في الإمارات، فإن حصة مبيعاتها من إجمالي مبيعات تجارة التجزئة بشكلها العام والتقليدي منخفضة كثيراً، إذ بلغت نحو 1.2%، ويتوقع أن ترتفع إلى 3.2% بحلول عام 2018.

يجب أن لا ننسى إجمالي قطاع التعاملات التجارية عابرة القارات، “كما ذكرناه آنفاً”، و بالمحصل العام هل بالإمكان إحتساب ذلك الرقم الخاص بمعاملات خارج نطاق الشرق الأوسط كرقم إحصائي لمعاملات سوق التجارة الالكترونية العربية، وتستفيد منها مواقع التجارة الالكترونية العربية، وتعود بالعائد على مستوى الاقتصاديات العربية،؟!؟!؟!؟، (سؤال فيه الكثير من الجدل و يطول الحديث حولة)

أتذكر هنا تجربتي مع إحدى الشركات في إحدى الدول العربية، التي استثارتها تلك الأرقام للدخول في التجارة الالكترونية، وطُلِبَ مني الإسراع في تنفيذ المشروع، وكانت الآمال في سرعة تحقيق الأرباح كبيرة، فكانت النقاشات تدور في محور واحد “حرفياً” (إن أرقام وإحصائيات التجارة الإلكترونية العربية كبيرة ومشجعة، وتجعل من السوق متاح لدى الجميع، والحصول على نسبة الـ 1% فقط على أقل تقدير من أرقام هذا السوق سهل ويكفي)، وللأسف لم تكن هذه هي الحقيقة الواضحة للأرقام الحقيقة المخادعة.

مرة أخرى، لا ضرر في هذه التقارير ولا التركيز الإعلامي لها ولا في الأرقام المذكورة، ولكن وجهة نظري هنا ان الاعلام أو القائمين على الترويج للتجارة الالكترونية يركزون بحسن نية أو بغيرها (مع حسن الظن فيهم) حول هذه الأرقام دون ذكر التفاصيل، مما:

  • يُرَوَجْ ويُدْفَعْ بصغار ومتوسطي المتعاملين بهذه التجارة لدخولها دون دراستها لهثاً وراء الأرباح السريعة تصديقاً للنمو الهائل السريع، ودون التخطيط الواقعي ضمن حدود الأرقام الصحيحة لكل قطاع مُسْتَهدف من قبل التاجر في ذلك القطاع بالذات،
  • وبالتالي يواجه بالواقع والخسارة لا سمح الله في بعض الأحيان والخروج من السوق الالكترونية في نهاية المطاف لا قدر الله، مسببً خسارة مادية لصاحب المشروع
  • وارتفاع نسبة المتاجر الالكترونية غير الناجحة،
  • مما ينعكس سلباً على الأرقام والنسب الحقيقة في نهاية المطاف للتجارة الالكترونية بقطاعها المباشر التقليدي (بيع سلعة حسية مقابل العائد المالي).
  • عدم تشجيع الاستثمار في القطاعات الإلكترونية الواعدة الأخرى.

هنا لا يجب التغافل عن مسؤولية مواقع التجارة الالكترونية الرائدة والناجحة في الوطن العربي في تطبيق مبدأ الشفافية وتوضيح التقارير الربعية والسنوية لهم بما يتيح وضع رؤية حقيقية واضحة لهذا القطاع، ولا يضيرهم أو يعيب عليهم أو ينتقص من الحجم السوقي لهم في ذلك شيء، بل بالعكس يعطيهم دفعة ثقة في التعامل معهم، ويعكس الصورة الحقيقية لحجم السوق نفسه،، (نلاحظ هذه الشفافية لدى جميع الشركات خارج الشرق الأوسط :-) )

في الأخير لست هنا لتقييم أرقام قطاع التجارة الإلكترونية وحجمها الرقمي في الوطن العربي، ولا للتقليل من حجم النمو السريع فعلياً لها، بقدر ما أحببت لفت الانتباه إلى عدم رفع سقف التوقعات والآمال بشكل غير واقعي عند البدء بتنفيذ أي مشروع تجارة إلكترونية والبحث ومحاولة التحقق من أرقام القطاع المستهدف بحد ذاته، مع دعوة الجميع لتبني مبدأ الشفافية في جميع مناحي هذه التجارة.

 

شهاب الفقيه/ متخصص في التجارة والتسويق الالكتروني

@shehabalfakih

مدونة التجارة الالكترونية العربية

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى