مقالات

إشكالات تقنية

الانشغال بالتقنية ومستجداتها من أجهزة وحتى أدق متطلباتها أو برمجيات وما تقدمه من خدمات وأفكار يعد من أكثر الأمور استنزافاً للطاقات مما يتسبب بالكثير من الأضرار الواضحة وغير الواضحة.

كتابتي التقنية أضافت لاهتمامي بتخصصي بعدًا جديدًا؛ إذ لم أعد الشخص الوحيد المستفيد من المعلومة التي تلقيتها مؤخرًا، بل هناك ما لا يقل عن مئة شخص (حسب إحصائيات الووردبريس) ستصلهم المعلومة من خلال نقلي لها. وهذا بالطبع يؤثر على العطاء التدويني ويتحكم في التدوينة بتوابعها: الأسلوب، اللغة، نوع المعلومة المقدمة، كيفية تقديمها. من السهل التغلب على مشكلات الأسلوب واللغة، وإدراك الفرق بين جمهور الكتابة الأدبية، الثقافية، والتقنية ومحاولة تقديم المعلومات بالأسلوب واللغة المناسبتين لقراء مدونة تقنية لها جمهور ذو هدف معين. لكن المشكلة الأصعب تتعلق بكيفية تقديم المعلومة أيًا كان نوعها. وكون بعض المدونات أو المجلات التقنية مهتمة بالتقنية بشكل عام (أقصد غير متخصصة بمنتجات شركة معينة مثلًا) مما يمنح الكاتب مساحة أكبر لطرح موضوعات متعددة مختلفة التوجه؛ إذ يكتب مرة عن تطبيق لأندرويد بعد أيام من امتداح تطبيق آي فوني، وبعدها بفترة يكتب عن أفضل التقنيات لحماية الحاسبات المشغلة للينكس، وكيفية تفعيل خصائص معينة بالويندوز. مما يسبب حرجًا تجاه بعض القراء الذين اعتادوا على تصنيف التقنية، فـ فلان محسوب على آبل وعليه ألا يتحدث حول أي منتج من خارج هذه الشركة، وعليه أيضًا أن يبالغ في رؤية مميزات أجهزة آبل وتطبيقاتها، كما يجدر به ألا يرى من منتجات الشركات الأخرى سوى مساوئها وهكذا مع بقية الشركات. مما يفرض صورة مسبقة عن الكاتب وحتى يبقى في دائرة الاحترام عليه ألا يخرج عنها!

هذه المشكلة لا تخص الكاتب في المجال التقني وحده بل تتعداه لتشمل قدرًا أكبر من المستخدمين ومن ثم تؤثر بالمجتمع ككل عبر التدخل في تشكيل قراراته وأفكاره. وهذه المقالة محاولة لتوضيح بعض مما يدور في مجال الكتابة التقنية علنا نصل لصورة أوضح.

سأعرض أربعة إشكالات رئيسة والتي قد تطرأ على ذهن القارئ سواء كانت عن الشركات المصنعة للحاسبات أو المنتجة للبرمجيات، المتصفحات، الهواتف الذكية، الأجهزة اللوحية، تطبيقات الويب، وحتى إضافات المتصفحات. سأفصل قدر استطاعتي في توضيحها:

مبالغة الكاتب في تكبير المشكلات

التقنية جاءت كوسيلة للتسهيل، وإن كان البعض يدرسها كغاية بحد ذاتها، فهناك شريحة أخرى ترى العكس. ولأن اهتمامات الناس متباينة جدًا فمن الطبيعي أن ما يعد تافهًا عندك يعد مهمًا لغيرك، لنأخذ مثالًا على هذا: التطبيقات الكثيرة لمهمة مشاركة الروابط، قد لا تعد مهمة بالنسبة لشخص لا يهتم بالشبكات الاجتماعية التي تحدد للمستخدم عددًا محدودًا من الحروف كتويتر، والتي تعتبر مسألة طول الرابط مشكلة تؤثر على استخدامه. وقس على هذا تطبيقات مشاركة الروابط، الصور، وغيرها.

تكرار الأفكار

هذه النقطة مزعجة حقيقةً. تتمثل في عرض منتجات تقدم الفكرة (الخدمة) ذاتها. وقد تسبب إرباكًا للكاتب أيضًا، لكن مهمته هنا تكون دعائية إخبارية؛ إذ يكتفي بإشعار المتلقي بوجود خدمة جديدة، وعليه وحده مهمة اختيار ما يريد في حالة كان على علم بالمنتج القديم المشابه.

المقارنة بين المنتجات

هذه النقطة ممتعة؛ إذ يقوم الكاتب بعرض التقنية ومقارنتها بتقنية أخرى. وهذا مفيد من عدة نواحٍ:

  • في إخبار القراء عن منتجين في الوقت نفسه وهذا مفيد لأنه يترك للقارئ تحديد الأنسب له.
  • لتقريب فكرة المنتج الجديد.
  • لبيان النواحي التي يتفوق بها أحدهما على الآخر. مما يجعل المستخدم يتخفف من أحد المنتجين إن وجد خدمة الثاني أفضل.
  • لعرض إمكانية التكامل بينهما، وهنا يحصل عكس النقطة الأولى؛ إذ تصبح للمستخدم مساحة أكبر في الاستخدام والتنقل عبر الخدمات المتكاملة معًا.

تناقض الكاتب

الكاتب التقني بعكس غيره، يكتب ليفيد الآخرين. فقد يطرح فكرة يؤمن بها لكنه بعد ذلك يناقضها وهذا لأن القراء لا يتفقون معه في آرائه. فهو مثلًا قد يميل للمصادر المفتوحة ويدعو إليها باستمرار، لكن هذا لا يمنعه من امتداح تطبيق مغلق المصدر والدعاية له لمجرد أنه لا ينتمي لما يحب. فهو بالأساس يكتب ليساهم في نشر المعرفة التقنية وليس لحشد الأنظار. فلو كان مطورًا لاهتم بنجاح ما يعمل عليه ولا ستمر في التسويق له، لكنه كاتب ومهمة الكاتب غير مهمة المطور.

هذه كانت أبرز الإشكالات التقنية التي قد تواجه القارئ وحتى الكاتب. والتي لا أزعم أني أنهيتها لكن عسى أن أكون نجحت في توضيح صورتها الأصلية للارتقاء بمستوى الكتابة والتفاعل التقني الحر.

مصدر الصورة: 1

‫7 تعليقات

  1. شكرا جدا علي المقال الرائع
    فكرتك وصلت , وانا متابع دائم لجميع المقالات التقنيه

  2. اتفق مع اخوي ” AR” ان البساطة من اهم الاشياء الي يجب توفرها بالكتابات التقنية , حيث يكون ايصال المعلومه بدون تعقيد .

    شكرا لك على المقالة .

  3. شكرا لك هيفاء … فعلا أفكار وملاحظات هامة قد نغفل عنها…

    ونتمنى قراءة المزيد :)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى